للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدنيوية.

وقوله" {أرني كيف تحيي الموتى} [البقرة: ٢٦٠] كان يطلب منه أن يريه الحياة الأخروية المعراة عن الشوائب والآفات الدنيوية.

قوله: {ومن أحياها فكانما أحيا الناس جميعًا} [المائدة:٣٢] أي من أنقذها من الهلكة ونجاها منها، فكأنه أحيا الناس: الأنفس، لأنه يفعل مع جميعها كذلك، وعليه: {أنا أحيي وأميت} [البقرة: ٢٥٨] أي أعفو عن هذا وأقتل هذا.

قوله: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلًا} [البقرة: ٢٦] أي لا يترك، واستحياء الله تعالى كراهته للشيء وتركه إياه، فقال تعالى ردًا على اليهود حين قالوا لما سمعوا ذكر الذباب والعنكبوت: ما يشبه هذا كلام الله! إن الله لا يترك ضرب الأمثال بالأشياء الحقيرة كالبعوضة، فأقل منها لما في ذلك من المصالح. وما أنكروه إلا عنادًا، وإلا فالتوراة محشوة من مثله. والاستحياء: تغير وانكسار يعتري المستحيي، والله تعالى منزه عن ذلك، فكان مجازه كما ذكرنا، والأكثر استحيا. وفيه أحييه استحيا، وأنشد: [من الطويل].

٤١٥ - إذت ما استحين الماء يعرض نفسه ... كرعن بسبتٍ في إناء من الورد

قوله: {ولكم في القصاص حياة} [البقرة: ١٧٩] يعني أنه إذا علم من يريد القتل أنه يقتص منه ارتدع عن القتل، فحصلت له حياة نفسه وحياة من كان يريد قتله. وكانوا يقتلون بالواحد العدد الكثير. وقصة جساسٍ بأخذه ثأر أخيه كليب مشهورة في العرب. فلما شرع القصاص أن يقتل الواحد بالواحد كان في ذلك حياة لمن لم يجن. وكانت العرب تقول: حرمنا حول هذا المعنى؛ القتل أنفى للقتل. وبين هذا وبين {ولكم في القصاص حياة} بون ظاهر قد بيناه في غير هذا الموضوع.

والحيا- بالقصر- المطر لحياة الأرض بعد موتها به، وعليه: {وجعلنا من الماء

<<  <  ج: ص:  >  >>