وعرش الله مما لا يعلمه البشر على الحقيقة إلا بالاسم. قال: وليس كما تذهب إليه أوهام العامة فإنه لو كان كذلك لكان حاملاً له تعالى عن ذلك لا محمولاً، والله تعالى يقول:} إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحدٍ من بعده {[فاطر: ٤١] وليس كما قال قوم إنه الفلك الأعلى، والكرسي فلك الكواكب. قال: واستدلوا على ذلك بما روي عنه عليه الصلاة والسلام: "ما السماوات السبع والأرضون السبع في جنب الكرسي إلا كحلقةٍ ملقاةٍ في أرض فلاةٍ" والكرسي عند العرش كذلك.
قلت: لا يلزم من قال: إن العرش جسم وفلك أن يكون حاملاً لله تعالى بل العرش وحملته وما سوى ذلك محمولون بقدرته تعالى. والقرآن قد ورد بأن للباري تعالى عرشًا موجودًا جسمانيًا محمولاً وهو قوله تعالى:} ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذٍ ثمانية {[الحاقة: ١٧].} وكان عرشه على الماء {[هود: ٧] فأي محذورٍ في أن يكون له عرش كما أن له سماواتٍ وأرضًا، ولا نقول إن شيئًا من ذلك يحويه ولا هو مقوله تبارك وتعالى عن ذلك. وقيل: العرش سرير الملك فعبر به عن ملكوت ربنا لأنه ملك الملوك.
قوله:} وكان عرشه على الماء {تنبيه أن عرشه تعالى لم يزل مستعليًا مذ وجد على الماء. وقوله تعالى:} ذو العرش المجيد {[البروج: ١٥]،} رفيع الدرجات ذو العرش {[غافر: ١٥] ونحو ذلك. قيل: هو على حقيقته من وجود عرشٍ كالسماوات. وقيل: هو إشارة إلى مملكته وسلطانه لا إلى مقر له، تعالى عن ذلك. ومن ذلك قولهم: ثل عرش فلانٍ: إذا ذهب عنه. وروي أن عمر رضي الله عنه " [رئي] في المنام فقيل: ما فعل الله بك؟ فقال: لولا أن يتداركني برحمته لئل عرشي" قوله:} ولها عرش عظيم {[النمل: ٢٣] إشارة إلى قوة ملكها وعز سلطانها وكبر سريرها وعظمته، واستعظام الهدهد لذلك غير بدعٍ منه؛ فهو حكاية عنه لا أنه تعالى استعظمه، وحيث ورد عنه تعالى استعظام شيء فغنما ذلك بالنسبة إلى استعظام خلقه كقوله {عذاب عظيم}[المائدة: ٤١].