• قال أبو يَعقوب:«فقد تَبيَّن في قول ابن سيرين -حَيثُ يقول: «النِّساء أَعلَم بذلك» - أنها تَعرِف خِلقَتها وطَبيعَتها، وفيما وَصَفنا من قول النبي صلى الله عليه وسلم للنِّسوَة اللاتي استُحِضن على عَهده، فأفتى كل واحِدَةٍ بِفُتيا خِلافَ ما أفتَى الأُخرَى - أن الحَيض من النِّساء في ذلك مُختَلِف، ولم يَحجر عَلَيهنَّ أن يَلزَمنَ وَقتًا واحِدًا يكون ذلك آخِر حَيضهن -كما فَعَلَ هؤلاء-.
ولو كان للحَيض أَوَّلٌ وآخِر -كما قال هؤلاء:«الثلاث أَقَلُّه والعَشر أَكثَره-؛ لَبَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لِبَعضِهنّ، ولم يَعُم عَلَيهنّ.
ويَعلَم الناس كلهم أن العَدَدَ أَهوَن عَلَيهنَّ في الإحصَاء مِن أنْ يُكَلَّفنَ إقبال الحَيضَة وإدبارَها، فكيف يَستَوسِع عالِمٌ أن يُوَقِّت لَها، والنبي صلى الله عليه وسلم جَعَل ذلك إلَيهنَّ مِن غَير وَقت، فقال لَهنّ: «إذا أَقبَلَت الحَيضة»، و:«إذا أَدبَرَت»، فلَو لم يكُن الإقبال والإدبار مَعقولًا عِندَهنّ؛ ما كَلَّفَهنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، ولَقال لَهنّ -لو كان الوَقت يَجوز في ذلك كما وَقَّتَ هؤلاء-: اجلِسنَ كذا وكذا يَومًا، لا تَزِدن على ذلك.
وهل سَمِعتم أن إحداهنَّ رَدَّت على النبي صلى الله عليه وسلم ما سَمِعَت مِنه بأني لا أَعقِل ما وَصَفتَ لي؟! ففي ذلك بَيانُ أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطَبَهنَّ بما عَقَلنَ وفَهِمن.
وفيما قال على المستَحاضَة بَيانُ نَفي العدد؛ حَيثُ قال:«فإذا رَأَت الدم العَبيط الذي لا خَفاء به»؛ علم أن ذلك مَعقولٌ عند النِّساء، ألا ترى إلى ما قال الأوزاعي:«إن إقبال الحَيضة سَواد الدم ونَتَنُه وتَغَيُّره، لا يَدوم بالمرأة ذلك، لو دام بها لَقَتَلَها»، ⦗٢٩٥⦘ فقد فَسَّرَ الأوزاعي الإقبال والإدبار، مع أن مالك بن أنس فَسَّرَ الإقبال بِظُهور الدم -ولو كان ذلك قَدر قَطرَةٍ واحِدَة-؛ رَآه حَيضًا، حتى إنه لو دَفَعت دَفعَةً واحِدَةً دَمًا عَبيطًا في رمضان؛ كَفَّت عن الصِّيام وتَرَكَت الصَّلاة، والإدبار فَسره الطُّهر؛ يقول: كُلَّما رَأَت دَمًا تَرَكَت الصَّلاة، وإذا رَأَت طُهرًا صَلَّت.