وعَلِم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طَبائع النِّساء في ذلك مُختَلِفَة؛ رُبَّما حاضَت المرأة ثلاثًا، ورُبَّما كان خَمسًا أو سِتًّا أو سَبعًا، أو أَكثَر من ذلك أو أَقَلّ، فجَعَلَ كُلَّما كان من ذلك وَقتًا لِقُرئها؛ أنما ذلك إلَيها؛ أَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم إحدَى النِّسوَة اللاتي سَأَلنَه:«اجلِسي أيام أقرائك»، وأَمَرَ الأُخرَى:«إذا أَقبَلَت الحَيضَة فدَعي الصَّلاة، وإذا أَدبَرَت فصَلِّي»، وأَمَرَ حمنة بنت جحش حَيثُ أَكثَرَت عَلَيه من تَخليط حَيضها، قالت: إنما أَثُجُّ ثَجًّا؛ فأَمَرَها حينَئذٍ بالتَّحَرِّي، فقال:«تَحَيَّضي سِتَّة أيام أو سَبعَة أيام في عِلم الله، ثم صَلِّي ثلاثًا وعِشرين لَيلَة، أو أَربَعًا وعِشرين لَيلَةً وأيامَها»، فجَعَل وَقتَها عند اختِلاط حَيضها في كُلِّ شَهرٍ حَيضًا وطُهرًا، وذلك على معنى الأقراء: أنه جَعَلَ بَدَلَ كُلِّ شَهرٍ حَيضَةً في العدّة، وهكذا الغالب من حَيض النِّساء، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كَفَى النِّساء مُؤنَة العَدَد فقال:«سِتَّة أيام أو سَبعَة أيام كما تَحيض النِّساء وكما يَطهُرنَ لميقات حَيضِهنَّ وطُهرهِنّ».
قال أبو يَعقوب:«فحُكم الاستِحاضَة: ما سَنَّ فيه النبي صلى الله عليه وسلم للنِّسوَة اللاتي استُحِضن فسَأَلنَه، فأَمَرَ كل واحِدَةً مِنهنَّ على حالِها بحُكمٍ مُختَلِف، ورَدَّ كل واحِدَةٍ مِنهنَّ إلى طِباعها، ولم يَجعل حُكمَ كل امرأةٍ استُحيضَت حُكمَ نِساء الدُّنيا، فقال ⦗٢٩٦⦘ لبعضِهنّ: أيام أقرائها إذا عَلِمت ذلك؛ عَشرًا، أو خَمسَةَ عَشَر، أو أَقَلَّ أو أَكثَر؛ إذا كان ذلك أقراء مَعروفَة في الشَّهر، وقال للأُخرَى: «إذا أَقبَلَت الحَيضَة فدَعي الصَّلاة»، وقال للثالثَة التي اختَلَط عَلَيها حَيضها من استِحاضَتها: حَيضًا وطُهرًا في الشَّهر -وهو ما وَصَفنا من قَول النبي صلى الله عليه وسلم لِحمنة بنت جحش في صَدر باب الحَيض-، فلا تكاد المرأة تَعدو في دَمِها ما وَصَفنا.