فمَن تَفَهَّم ما وَصَفنا من هذه الأُصول الصَّحيحَة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومَنازِل الحَيض؛ عَرَفَ حُكمَ ما يَظهَر من النِّساء من الدِّماء، وقد بَيَّنَّا حُكمَ النبي صلى الله عليه وسلم على الوُجوه التي ذَكَرنا، ولا يَخرج الدم من هذه المعاني أَبدًا؛ لأنه لو كان خارِجًا من ذلك؛ لَبُيِّن لَهنّ.
وهي مَسائلُ قد ابتُلي بها هؤلاء النِّسوَة، فسَأَلنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فحَكَمَ لَهنَّ بما وَصَفنا مِن غَير وَقتٍ ولا عَدَد، ولو كان يَجوز فيه الوَقتُ والعَدَد؛ لكان النبي صلى الله عليه وسلم أَولَى البَشَر بِذلك؛ لأن وَقتَ العَدَد على النِّساء أَخَفُّ مما كَلَّفَهنَّ من الإقبال والإدبار وتَحَرِّي دم الحَيض من دَم الاستِحاضَة، وبُعِثَ النبي صلى الله عليه وسلم مُيَسِّرًا ومُبَيِّنًا.
فأما ما قال هؤلاء في الحَيض والاستِحاضَة، وتَوقيتُهم العَشرَ للنِّساء كُلِّهنَّ على طَبيعَةٍ واحِدَة؛ فهو خِلافُ قَول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخِلافُ طَبائع النِّساء؛ وذلك أنه مَوجودٌ عندهم الاختِلاف في طَبائعِهنّ؛ تَحيض النِّساء خَمسًا أو سِتًّا أو سَبعًا أو ثَمانيًا؛ في الشُّهور كُلِّها؛ حَيضًا مُعتَدِلًا مُستَقيمًا، فإذا عَرَفوا اختِلاف طَبائعِهنَّ فيما دون العَشر، فكَيف حَكَموا لِجَميعِهنَّ فَوقَ العَشر بأمرٍ واحِد، ولم يَرُدُّوا ⦗٢٩٧⦘ على واحِد إلى خِلقَتِها وطَبيعَتِها إذا كان مَوجودًا عندهم اختِلاف حَيض النِّساء، وقد تَقَدَّمَهم الثِّقاتُ من أهل العِلم مِن التابِعين ومَن بَعدَهم أن خِلقَتهنَّ تَختَلِف فَوق العشر كما يَختلف هذا».