للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «لَا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ» وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبُولُ هِبَةٍ وَلَوْ جَاءَتْ بِلَا مَسْأَلَةٍ وَلَا اسْتِشْرَافِ نَفْسٍ وَهُوَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْ: الْمُوَفَّقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَعَنْهُ يَجِبُ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي الزَّكَاةِ لِلْخَبَرِ

(وَيُكَافِئُ) الْمُهْدَى لَهُ (أَوْ يَدْعُو) لَهُ.

وَفِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ دَعَا لَهُ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَحَكَى أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُثَنَّى عَنْ وَهْبٍ قَالَ تَرْكُ الْمُكَافَأَةِ مِنْ التَّطْفِيفِ وَقَالَهُ مُقَاتِلٌ (إلَّا إذَا عَلِمَ) الْمُهْدَى لَهُ (أَنَّهُ) أَيْ: الْمُهْدِي (أَهْدَى حَيَاءً فَيَجِبُ الرَّدُّ) أَيْ: رَدُّ هَدِيَّتِهِ إلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَالَ فِي الْآدَابِ: وَهُوَ قَوْلٌ: حَسَنٌ لِأَنَّ الْمَقَاصِدَ فِي الْعُقُودِ عِنْدَنَا مُعْتَبَرَةٌ

(وَإِنْ شُرِطَ فِيهَا) أَيْ: الْهِبَةِ عِوَضٌ مَعْلُومٌ صَحَّ نَصًّا كَشَرْطِهِ فِي عَارِيَّةٍ (وَصَارَتْ بَيْعًا) بِلَفْظِ الْهِبَةِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ كَمَا لَوْ شُرِطَ فِي عَارِيَّةٍ مُؤَقَّتَةٍ عِوَضٌ مَعْلُومٌ فَتَصِيرُ إجَارَةً

(وَإِنْ شُرِطَ) فِي هِبَةٍ (ثَوَابٌ مَجْهُولٌ لَمْ تَصِحَّ) كَالْبَيْعِ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَحُكْمُهَا كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَتُرَدُّ بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَإِنْ تَلِفَتْ أَوْ زَوَائِدُهَا ضَمِنَهَا بِبَدَلِهَا فَإِنْ أُطْلِقَتْ الْهِبَةُ لَمْ تَقْتَضِ عِوَضًا سَوَاءٌ كَانَتْ لِمِثْلِهِ أَوْ دُونِهِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ وَقَوْلُ عُمَرَ مَنْ وَهَبَ هِبَةً أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إذَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا خَالَفَهُ ابْنُهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ

وَإِنْ اخْتَلَفَا أَيْ: الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ فِي شَرْطِ عِوَضٍ فِي الْهِبَةِ فَقَوْلٌ مُنْكَرٌ لَهُ وَهُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصَّادِرِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ مَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنُ وَهَبْتَنِي مَا بِيَدِي فَقَالَ مَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ قَبْلُ بَلْ بِعْتُكَهُ وَلَا هِبَةَ لِأَحَدِهِمَا يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا أَنْكَرَهُ مِنْ دَعْوَى الْآخَرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ وَلَا هِبَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا بَيْعَ لِعَدَمِ ثُبُوتِ أَحَدِهِمَا

وَتَصِحُّ الْهِبَةُ بِعَقْدٍ وَتُمْلَكُ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ بِعَقْدٍ أَيْ: إيجَابٍ وَقَبُولٍ فَالْقَبْضُ مُعْتَبَرٌ لِلُزُومِهَا وَاسْتِمْرَارِهَا لِانْعِقَادِهَا وَإِنْشَائِهَا حَكَاهُ فِي الْقَوَاعِدِ عَنْ الْمُغْنِي وَالِانْتِصَارِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ فِي الشَّرْحِ مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْهُوبِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْقَبْضِ وَكَذَا صَرَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّ الْقَبْضَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْهِبَةِ كَالْإِيجَابِ فِي غَيْرِهَا وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَحَكَى ابْنُ حَامِدٍ أَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ فِيهَا مُرَاعًى فَإِنْ وُجِدَ الْقَبْضُ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ بِقَبُولِهِ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْوَاهِبِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>