«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي دَعْوَةٍ، وَكَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ عَنْ الْقَوْمِ نَاحِيَةً. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاكُمْ أَخُوكُمْ، وَتَكَلَّفَ لَكُمْ. كُلْ يَوْمًا ثُمَّ صُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ إنْ شِئْتَ» وَلِمَا فِيهِ مِنْ إدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَ (لَا) يَأْكُلُ إنْ كَانَ صَوْمُهُ (صَوْمًا وَاجِبًا) ; لِأَنَّهُ يَحْرُمُ قَطْعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] ; وَلِأَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَفِي رِوَايَةٍ: فَلْيُصَلِّ يَعْنِي: يَدْعُو، وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ أَجَابَ عَبْدَ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَ: إنِّي صَائِمٌ وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُجِيبَ الدَّاعِيَ فَأَدْعُوَ بِالْبَرَكَةِ. وَيُسَنُّ الْإِخْبَارُ بِصَوْمِهِ لِذَلِكَ وَلِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ لِيُعْلَمَ عُذْرُهُ (وَإِنْ أَحَبَّ) الْمُجِيبُ (دَعَا، وَانْصَرَفَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» قَالَ فِي الشَّرْحِ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
(فَإِنْ دَعَاهُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ) فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (أَجَابَ الْأَسْبَقَ قَوْلًا) لِوُجُوبِ إجَابَتِهِ بِدُعَائِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِدُعَاءِ مَنْ بَعْدَهُ وَلَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ ; لِأَنَّهَا غَيْرُ مُمْكِنَةٍ مَعَ إجَابَةِ الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ يَتَعَارَضْهُ بِأَنْ اخْتَلَفَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ أَجَابَ الْكُلَّ بِشَرْطِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبْقٌ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ (فَالْأَدْيَنُ) مِنْ الدَّاعِيَيْنِ ; لِأَنَّهُ الْأَكْرَمُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الدِّينِ (فَالْأَقْرَبُ رَحِمًا) لِمَا فِي تَقْدِيمِهِ مِنْ صِلَتِهِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقَرَابَةِ أَوْ عَدَمِهَا (فَ) الْأَقْرَبُ (جِوَارًا) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد مَرْفُوعًا «إذَا اجْتَمَعَ دَاعِيَانِ أَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا أَقْرَبُهُمَا جِوَارًا» ; وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْبِرِّ فَقُدِّمَ لِهَذِهِ الْمَعَانِي (ثُمَّ) إنْ اسْتَوَوْا فِي ذَلِكَ (أَقْرَعَ) فَيُقَدَّمُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ ; لِأَنَّهَا تُمَيِّزُ الْمُسْتَحِقَّ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْحُقُوقِ.
(وَإِنْ عَلِمَ) الْمَدْعُوُّ (أَنَّ فِي الدَّعْوَةِ مُنْكَرًا كَزَمْرٍ، وَخَمْرٍ) ، وَآلَةِ لَهْوٍ (، وَأَمْكَنَهُ الْإِنْكَارُ حَضَرَ، وَأَنْكَرَ) لِأَدَائِهِ بِذَلِكَ فَرْضَيْنِ إجَابَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَإِزَالَةَ الْمُنْكَرِ (وَإِلَّا) يُمْكِنْهُ الْإِنْكَارُ (لَمْ يَحْضُرْ) ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ; وَلِأَنَّهُ يَكُونُ قَاصِدًا لِرُؤْيَةِ الْمُنْكَرِ أَوْ سَمَاعِهِ بِلَا حَاجَةٍ (وَلَوْ حَضَرَ) بِلَا عِلْمٍ بِالْمُنْكَرِ (فَشَاهَدَهُ) أَيْ: الْمُنْكَرَ (أَزَالَهُ) وُجُوبًا لِلْخَبَرِ (، وَجَلَسَ) بَعْدَ زَوَالِهِ إجَابَةً لِلدَّاعِي (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إزَالَتِهِ (انْصَرَفَ) لِئَلَّا يَكُونَ قَاصِدًا لِرُؤْيَتِهِ أَوْ سَمَاعِهِ، وَرَوَى «نَافِعٌ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute