أَوْ شَهِدَ بَعْضُهُمْ) أَيْ بَعْضُ مُسْتَحِقِّي الْقِصَاصِ (وَلَوْ مَعَ فِسْقِهِ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ سَقَطَ الْقَوَدُ) أَمَّا السُّقُوطُ بِعَفْوِ الْبَعْضِ فَلِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ.
وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ» " بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " «مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي وَمَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إلَّا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلَّا مَعِي» " يُرِيدُ عَائِشَةَ وَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ " أُتِيَ بِرَجُلٍ قَتَلَ قَتِيلًا فَجَاءَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَتْ امْرَأَةُ الْمَقْتُولِ وَهِيَ أُخْتُ الْقَاتِلِ قَدْ عَفَوْتُ عَنْ حَقِّي فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ قَدْ عَتَقَ الْقَتِيلُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَأَمَّا سُقُوطُهُ بِشَهَادَةِ بَعْضِهِمْ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ وَلَوْ مَعَ فِسْقِهِ فَلِإِقْرَارِهِ بِسُقُوطِ نَصِيبِهِ وَإِذَا أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ سَرَى إلَى الْبَاقِي كَالْعِتْقِ (وَلِمَنْ لَمْ يَعْفُ) مِنْ الْوَرَثَةِ (حَقُّهُ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى جَانٍ) سَوَاءٌ عَفَا شَرِيكُهُ مُطْلَقًا أَوْ إلَى الدِّيَةِ ; لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَمَّا فَاتَهُ مِنْ الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ وَرِثَ الْقَاتِلُ بَعْضَ دَمِهِ (ثُمَّ إنْ قَتَلَهُ عَافٍ قُتِلَ وَلَوْ ادَّعَى نِسْيَانَهُ) أَيْ الْعَفْوِ (أَوْ جَوَازَهُ) أَيْ الْقَتْلِ بَعْدَ الْعَفْوِ سَوَاءٌ عَفَا مُطْلَقًا أَوْ إلَى مَالٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: ٩٤] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ أَيْ بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ وَلِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا مُكَافِئًا (وَكَذَا شَرِيكٌ) عَافٍ (عَالِمٌ بِالْعَفْوِ) أَيْ عَفْوِ شَرِيكِهِ (وَ) عَلِمَ بِ (سُقُوطِ الْقَوَدِ بِهِ) أَيْ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَيُقْتَلُ بِهِ سَوَاءٌ حُكِمَ بِالْعَفْوِ أَوْ لَا لِقَتْلِهِ مَعْصُومًا عَالِمَا بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَالِاخْتِلَافُ لَا يُسْقِطُ الْقِصَاصَ إذْ لَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ قَتَلْنَاهُ بِهِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي قَتْلِهِ (وَإِلَّا) يَعْلَمْ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ بِهِ بِأَنْ قَتَلَهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِمَا فَلَا قِصَاصَ لِاعْتِقَادِهِ ثُبُوتَ حَقِّهِ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَ (أَدَّاهُ) أَيْ أَدَّى دِيَتَهُ ; لِأَنَّهُ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَسَائِرِ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ.
(وَيَسْتَحِقُّ كُلُّ وَارِثٍ) لِلْمَقْتُولِ مِنْ (الْقَوَدِ بِقَدْرِ إرْثِهِ مِنْ الْمَالِ) أَيْ مَالِ الْمَقْتُولِ حَتَّى الزَّوْجَيْنِ وَذِي الرَّحِمِ ; لِأَنَّ الْقَوَدَ حَقٌّ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْثِ فَوَجَبَ لَهُ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنْ الْمَالِ (وَيَنْتَقِلُ حَقُّ الْقَوَدِ مِنْ مُورِثِهِ) أَيْ الْمَنْقُولِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَارِثِ ; لِأَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِ الْمَقْتُولِ كَالدِّيَةِ (وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ) مِنْ الْقَتْلَى (فَالْإِمَامُ وَلِيُّهُ) فِي الْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ ; لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ (وَلَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ إلَى مَالٍ) أَوْ دِيَةٍ فَأَكْثَرَ فَيَفْعَلَ مَا يَرَاهُ الْأَصْلَحُ ; لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute