فِي الْفُتْيَا) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ صَلَّى بَصِيرًا حَضَرًا فَأَخْطَأَ، أَوْ) صَلَّى (أَعْمَى بِلَا دَلِيلٍ) مِنْ اسْتِخْبَارِ بَصِيرٍ ; أَوْ اسْتِدْلَالٍ بِلَمْسِ مِحْرَابٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْقِبْلَةِ (أَعَادَا) أَيْ الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى وَلَوْ اجْتَهَدَ الْمُخْطِئُ وَلَوْ لَمْ يُخْطِئْ الْقِبْلَةَ ; لِأَنَّ الْحَضَرَ لَيْسَ بِمَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، لِقُدْرَةِ مَنْ فِيهِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْمَحَارِيبِ وَنَحْوِهَا، وَلِوُجُودِ الْمُخْبِرِ عَنْ يَقِينٍ غَالِبًا. فَهُوَ مُفَرِّطٌ، وَكَذَلِكَ الْأَعْمَى ; لِأَنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ أَوْ الِاسْتِدْلَال، وَقَدْ تَرَكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِمُجْتَهِدٍ جِهَةٌ) فِي السَّفَرِ، بِأَنْ تَعَادَلَتْ عِنْدَهُ الْأَمَارَاتُ، وَكَذَا لَوْ مَنَعَهُ مِنْ الِاجْتِهَادِ رَمَدٌ وَنَحْوُهُ، صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ.
وَلَا إعَادَةَ، لِحَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ حِيَالَهُ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] » رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ; وَلِأَنَّ خَفَاءَ الْقِبْلَةِ فِي الْأَسْفَارِ لِوُجُودِ نَحْوِ غَيْمٍ يَكْثُرُ. فَيَشُقُّ إيجَابُ الْإِعَادَةِ (أَوْ لَمْ يَجِدْ أَعْمَى) مَنْ يُقَلِّدُهُ (أَوْ) لَمْ يَجِدْ (جَاهِلٌ) بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ (مَنْ يُقَلِّدُهُ، فَتَحَرَّيَا) وَصَلَّيَا.
فَلَا إعَادَةَ ; لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِمَا أُمِرَا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ. فَسَقَطَتْ عَنْهُمَا الْإِعَادَةُ، كَالْعَاجِزِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ (أَوْ أَخْطَأَ مُجْتَهِدٌ قَلَّدَ) جَاهِلٌ مُجْتَهِدًا (فَأَخْطَأَ مُقَلَّدَهُ) بِفَتْحِ اللَّامِ (سَفَرًا) فَصَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ (فَلَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ ; لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ قَلَّدَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَضَرًا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاجْتِهَادِ (وَيَجِبُ) عَلَى عَالِمٍ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ (تَحَرٍّ لِكُلِّ صَلَاةٍ) ; لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ.
فَتَسْتَدْعِي طَلَبًا جَدِيدًا، كَطَلَبِ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ، وَكَالْحَادِثَةِ لِمُفْتٍ وَمُسْتَفْتٍ (فَإِنْ تَغَيَّرَ) اجْتِهَادُهُ (وَلَوْ فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (عَمِلَ بِ) الِاجْتِهَادِ (الثَّانِي) ; لِأَنَّهُ تَرَجَّحَ فِي ظَنِّهِ. فَيَسْتَدِيرُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ لَهُ، (وَبَنَى) عَلَى مَا مَضَى مِنْ الصَّلَاةِ. نَصًّا وَلَيْسَ مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ، بَلْ عَمِلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. كَمَا قَالَ عُمَرُ فِي الْمُشَرَّكَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ " ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَاهُ. وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي " (وَإِنْ ظَنَّ الْخَطَأَ) بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ (فَقَطْ) بِأَنْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ جِهَةُ الْقِبْلَةِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدَامَتُهَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ جِهَةٌ يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا.
فَتَعَذَّرَ إتْمَامُهَا (وَمَنْ أُخْبِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (بِالْخَطَأِ) لِلْقِبْلَةِ، وَكَانَ الْإِخْبَارُ (يَقِينًا) وَالْمُخْبِرُ ثِقَةٌ (لَزِمَهُ قَبُولُهُ) أَيْ الْخَبَرِ، فَيَعْمَلُ بِهِ وَيَتْرُكُ الِاجْتِهَادَ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ قَبْلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute