للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى نَصْبِ الْقَضَاءِ لِلْفَصْلِ بَيْنَ النَّاسِ (وَهُوَ) أَيْ: الْقَضَاءُ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِأَنَّ أَمْرَ النَّاسِ لَا يَسْتَقِيمُ بِدُونِهِ (كَالْإِمَامَةِ) وَالْجِهَادِ وَفِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَأَرَادَ الْحَقَّ فِيهِ وَالْوَاجِبُ اتِّخَاذُهَا دِينًا وَقُرْبَةً فَإِنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْقُرَبِ وَإِنَّمَا فَسَدَ حَالُ بَعْضِهِمْ لِطَلَبِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ بِهَا وَمِنْ فِعْلِ مَا يُمَكِّنُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ (فَ) يَجِبُ (عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْصِبَ بِكُلِّ إقْلِيمٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَحَدُ الْأَقَالِيمِ السَّبْعَةِ (قَاضِيًا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِلْإِمَامِ تَوَلِّي الْخُصُومَاتِ وَالنَّظَرِ فِيهَا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ وَلِئَلَّا تَضِيعَ الْحُقُوقُ بِتَوَقُّفِ فَصْلِ الْخُصُومَاتِ عَلَى السَّفَرِ لِلْإِمَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَكُلْفَةِ النَّفَقَةِ وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الْقُضَاةَ لِلْأَمْصَارِ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا إلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا وَبَعَثَ مُعَاذًا قَاضِيًا أَيْضًا وَوَلَّى عُمَرُ شُرَيْحًا قَضَاءَ الْكُوفَةِ وَوَلَّى كَعْبَ بْنَ سَوَّارٍ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ وَكَتَبَ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٍ يَأْمُرُهُمَا بِتَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ فِي الشَّامِ.

(وَ) عَلَى الْإِمَامِ أَنْ (يَخْتَارَ لِذَلِكَ) أَيْ: نَصْبِ الْقُضَاةِ (أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُ عِلْمًا وَوَرَعًا) لِأَنَّ الْإِمَامَ يَنْظُرُ لِلْمُسْلِمِينَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَحَرِّي الْأَصْلَحِ لَهُمْ (وَيَأْمُرُهُ) أَيْ: الْإِمَامُ إذَا وَلَّاهُ (بِالتَّقْوَى) لِأَنَّهَا رَأْسُ الْأَمْرِ وَمِلَاكُهُ.

(وَ) يَأْمُرُهُ (بِتَحَرِّي الْعَدْلِ) أَيْ: إعْطَاءِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ بِلَا مَيْلٍ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْقَضَاءِ (وَ) يَأْمُرُهُ (أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي كُلِّ صُقْعٍ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ أَيْ: نَاحِيَةٌ مِنْ عَمَلِهِ (أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُهُمْ) عِلْمًا وَوَرَعًا لِحَدِيثِ «مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَوَلَّى رَجُلًا وَهُوَ يَجِدُ مَنْ هُوَ أَصْلُحُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ

(وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ) لِلْقَضَاءِ (إذَا طُلِبَ) لَهُ (وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَا قُدْرَةَ لِغَيْرِهِ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ إذَنْ فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَلِئَلَّا تَضِيعَ حُقُوقُ النَّاسِ فَإِنْ لَمْ يُطْلَبْ لَهُ أَوْ وُجِدَ مَوْثُوقٌ بِهِ غَيْرُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الدُّخُولُ فِيهِ (إنْ لَمْ يَشْغَلْهُ) الدُّخُولُ فِي الْقَضَاءِ (عَمَّا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ) فَلَا يَلْزَمُهُ إذَنْ الدُّخُولُ فِيهِ لِحَدِيثِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (وَمَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ) مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ (الْأَفْضَلُ) لَهُ (أَنْ لَا يُجِيبَ) إذَا طُلِبَ لِلْقَضَاءِ ; طَلَبًا لِلسَّلَامَةِ وَدَفْعًا لِلْخَطَرِ وَاتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْهُ وَالتَّوَقِّي لَهُ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ حَاكِمٍ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ إلَّا حُبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَلَكٌ آخِذٌ بِقَفَاهُ حَتَّى يُوقِعَهُ عَلَى جَهَنَّمَ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إلَى اللَّهِ فَإِنْ قَالَ أَلْقِهِ أَلْقَاهُ فِي مَهْوًى فَهَوَى أَرْبَعِينَ خَرِيفًا» رَوَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>