حَاضِرًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: «إذَا تَقَاضَى إلَيْكَ رَجُلَانِ فَلَا تَقْضِ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا تَقْضِي» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ فَهُوَ فِيمَا إذَا كَانَا حَاضِرَيْنِ، وَالْحَاضِرُ يُفَارِقُ الْغَائِبَ فَلَا تُسْمَعُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ إلَّا بِحَضْرَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ وَاعْتُبِرَ كَوْنُهُ بِغَيْرِ عَمَلِ الْقَاضِي ; لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِعَمَلِهِ أَحْضَرَهُ لِيَكُونَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ مَعَ حُضُورِهِ هَكَذَا فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْإِقْنَاعِ وَالِاخْتِيَارَاتِ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ. وَأَمَّا سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُسْتَتِرِ فَلِتَعَذُّرِ حُضُورِهِ كَالْغَائِبِ، بَلْ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْغَائِبَ قَدْ يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ بِخِلَافِ الْمُتَوَارِي. وَرَوَى حَرْبٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: " «كَانَ الْخَصْمَانِ إذَا اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْفَذَ الْمَوْعِدُ فَوَفَّى أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُوَفِّ الْآخَرُ قَضَى لِلَّذِي وَفَّى» وَلِئَلَّا يُجْعَلَ الِاسْتِتَارُ وَسِيلَةً إلَى تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ وَكَذَا الْمَيْتُ وَالصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ كَالْغَائِبِ
وَ (لَا) تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ وَلَا يُحْكَمُ عَلَى غَائِبٍ وَنَحْوَهُ (فِي حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُقْضَى فِي سَرِقَةٍ) ثَبَتَتْ عَلَى غَائِبٍ (بِغُرْمٍ) مَالٍ مَسْرُوقٍ (فَقَطْ) دُونَ قَطْعٍ لِحَدِيثِ " «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَحْكُومِ لَهُ عَلَى غَائِبٍ وَنَحْوِهِ (يَمِينٌ عَلَى بَقَاءِ حَقٍّ) فِي ذِمَّةِ غَائِبٍ أَوْ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ مُسْتَتِرٍ لِحَدِيثِ: " «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» فَحَصَرَ الْيَمِينَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ فَلَا يَجِبُ مَعَهَا الْيَمِينُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ عَلَى حَاضِرٍ (إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ) قَالَ (الْمُنَقَّحُ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ ا. هـ) لِفَسَادِ أَحْوَالِ غَالِبِ النَّاسِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اسْتَوْفَى مَا شَهِدَتْ لَهُ بِهِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ مَلَّكَهُ الْعَيْنَ الَّتِي شَهِدَتْ لَهُ بِهَا الْبَيِّنَةُ، (ثُمَّ إذَا كُلِّفَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَرَشَدَ) بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ، (أَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ أَوْ ظَهَرَ الْمُسْتَتِرُ فَ) هُوَ (عَلَى حُجَّتِهِ) إنْ كَانَتْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَالْحُكْمُ بِثُبُوتِ أَصْلِ الْحَقِّ لَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُسْقِطُ الْحَقَّ، وَإِنْ حَضَرَ قَبْلَ الْحُكْمِ وَقَفَ عَلَى حُضُورِهِ، وَلَا تَجِبُ إعَادَةُ الْبَيِّنَةِ، بَلْ يُخْبِرُهُ الْحَاكِمُ بِالْحَالِ وَيُمَكِّنُهُ مِنْ الْجَرْحِ
(فَإِنْ جَرَّحَ) مَحْكُومٌ عَلَيْهِ (الْبَيِّنَةَ بِأَمْرٍ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ مُطْلَقًا) بِأَنْ جَرَّحَهَا، وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَا قَبْلَهُ (لَمْ يُقْبَلْ) تَجْرِيحُهُ ; لِأَنَّ مَا بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يُبْطِلُهَا، وَإِذَا أَطْلَقَ احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ، فَلَا الْحُكْمُ يَبْطُلُ لِجَوَازِ حُدُوثِ الْجَرْحِ بَعْدَهُ، (وَإِلَّا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute