الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين في كل حين، وعليه نتوكل وإليه ننيب، نحمده حمد المقر بنعمه المستغفر لذنبه، الراغب بقربه، الراجي لعفوه سبحانه وتعالى هو الغفور الرحيم.
والصلاة والسلام على المصطفى من العرب والعجم من باتّباع دعوته ننجو من النّقم، نبي الرحمة، البشير النذير والسراج المنير، والداعي إلى الله بإذنه، من أرسله الله بدين الهدى والحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، النبيّ الأميّ الطاهر الأمين، سيد ولد آدم، وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد عزيزي القارىء.
امتاز الأدب العربي عن سواه من الآداب العالمية بمصنفات جمع فيها مؤلفوها مادة أدبية ليست من إنتاجهم، وأشعارا ليست من نظمهم.
وقد تنوعت هذه المصنفات، فمنها ما اختص بالشعر الجاهلي مثلا، كجمع الزوزني للمعلقات وشرحها، ومنها من اختص بشعر الحماسة كحماسة أبي تمام، ومنها ما اختص بجمع طرائف أخبار النحويين أو الأعراب أو اللغة، أو ما استعجم من الألفاظ. إلخ ... ، ومنها ما اختص بجمع أخبار فئة معينة ككتب الجاحظ.
إلا أن هذه الجمع والتصنيف الذي اصطبغ في أكثره بصبغة معجمية تبعه جمع آخر وتصنيف مختلف، فظهرت في فترة لاحقة مصنفات جمعت من كل باب من أبواب الأدب أطرفه ومن كل فن أظرفه.
وقد اختار كل مؤلف ومصنف منهجا عمل من خلاله، لذلك نجد أنه رغم كثرة المصنفات في هذا اللون من ألوان الأدب فإن لكل منها نكهة مختلفة وفي كلّ منها مادة جديدة لم تذكرها المصنّفات الأخرى، مما يجعل كل مصنف منها فريدا في بابه، لا يغني عن سواه ولا يغني سواه عنه.
إلا أن أقرب هذه المصنفات إلى قلوب القراء عبر العصور، وأكثرها تداولا هو كتاب «المستطرف في كل فن مستظرف» الذي أعده وجمع مادته وألّف بين أخباره ونوادره وحكمه ومواعظه شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأشبيهي.
ولقد لقي هذا الكتاب من عناية المحققين المعاصرين ما جعله يصدر في طبعات كثيرة تتفاوت في قيمتها ودقتها لرغبة القراء في اقتنائه ورغبة الناشرين بإصداره.