للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الباب الخامس والعشرون في الشفقة على خلق الله تعالى والرحمة بهم وفضل الشفاعة وإصلاح ذات البين]

وفيه فصلان

[الفصل الأول في الشفقة على خلق الله تعالى والرحمة بهم]

قال الله تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ

«١» . ووصف الله نفسه لعباده فقال عز وجل:

إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ

«٢» . وقال الله تعالى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ٢ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ٣

«٣» .

قال المفسرون: «الرحمن» اسم رقيق يدل على العطف والرقة واللطف والكرم والمنّة والحلم عن الخلق، والرحيم مثله. وقيل: يقال رحمن الدنيا ورحيم الآخرة.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يضع الله الرحمة إلا على رحيم، قلنا: يا رسول الله كلنا رحيم، قال: ليس الرحيم الذي يرحم نفسه وأهله خاصة، ولكن الرحيم الذي يرحم المسلمين» رواه أبو يعلى والطبراني.

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

«من لا يرحم لا يرحم، ومن لا يغفر لا يغفر له» .

وعنه صلى الله عليه وسلم قال: «إرحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم» .

وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: «إن كنتم تريدون رحمتي فارحموا خلقي» ، رواه أبو محمد بن عدي في كتاب الكامل.

وروينا من طريق الطبراني، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتواصلهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» ، قال الطبراني: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فسألته عن هذا الحديث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، وأشار بيده صحيح صحيح صحيح ثلاثا.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة تمر عليها يده نور يوم القيامة» . ودخل عامل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فوجده مستلقيا على ظهره وصبيانه يلعبون على بطنه، فأنكر ذلك عليه، فقال له عمر: كيف أنت مع أهلك؟ قال:

إذا دخلت سكت الناطق. فقال له: اعتزل فإنك لا ترفق بأهلك وولدك، فكيف ترفق بأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أبدال أمتي لن يدخلوا الجنة بالأعمال ولكن يدخلونها برحمة الله وسخاوة النفس وسلامة الصدور والرحمة لجميع المسلمين» .

[الفصل الثاني في الشفاعة وإصلاح ذات البين]

قال الله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً ٨٥

«٤» .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يسأل العبد عن جاهه كما يسأله عن عمره، فيقول له جعلت لك جاها، فهل نصرت به مظلوما أو قمعت به ظالما أو أغثت به مكروبا» ؟

وقال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة أن تعين بجاهك من لا جاه له» . وعن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءني طالب حاجة فاشفعوا له لكي تؤجروا، ويقضي الله تعالى على لسان نبيه ما شاء» .

وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة صدقة اللسان، قيل: يا رسول الله، وما صدقة اللسان؟ قال: الشفاعة تفك بها الأسير وتحقن بها الدماء، وتجرّ بها المعروف إلى أخيك، وتدفع عنه بها كريهة» . رواه الطبراني في المكارم.

<<  <   >  >>