للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من عنده، فقال لي هارون إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا، فإن هذا سيد المسلمين اليوم.

واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له شروط وصفات، قال سليمان الخواص: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الأشهاد فإنما بكّته.

وقالت أم الدرداء رضي الله تعالى عنها: من وعظ أخاه سرا فقد سره وزانه، ومن وعظه علانية فقد ساءه وشانه، ويقال: من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وسره، ومن وعظه جهرا فضحه وضرّه.

وعن عبد العزيز بن أبي داود قال: كان الرجل إذا رأى من أخيه شيئا أمره في ستر، ونهاه في ستر، فيؤجر في ستره ويؤجر في أمره، ويؤجر في نهيه.

وعن عمر رضي الله تعالى عنه: إذا رأيتم أخاكم ذا زلة فقوموه وسددوه، وادعوا الله أن يرجع به إلى التوبة، فيتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم.

وبالله التوفيق إلى أقوم طريق، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[الباب الثالث عشر في الصمت وصون اللسان والنهي عن الغيبة والسعي بالنميمة ومدح العزلة وذم الشهرة]

وفيه فصول

[الفصل الأول في الصمت وصون اللسان]

قال الله تعالى: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ١٨

«١» ، وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ١٤

«٢» .

واعلم أنه ينبغي للعاقل المكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما تظهر المصلحة فيه، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد يجر الكلام والمباح إلى حرام أو مكروه بل هذا كثير وغالب في العادة والسلامة لا يعادلها شيء، وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت» .

قال الشافعي رضي الله تعالى عنه في الكلام: إذا أراد أحدكم الكلام فعليه أن يفكر في كلامه فإن ظهرت المصلحة تكلم، وإن شك لم يتكلم حتى تظهر.

وروينا في صحيحيهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: قلت يا رسول الله: أي المسلمين أفضل؟ قال: «من سلم الناس من لسانه ويده» .

وروينا في كتاب الترمذي عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: قلت يا رسول الله: ما النجاة؟

قال: «أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك» . قال الترمذي حديث حسن. وروينا في كتاب الترمذي، وابن ماجة، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» .

والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة، وفيما أشرت كفاية لمن وفقه الله تعالى.

وأمّا الآثار عن السلف وغيرهم في هذا الباب فكثيرة لا تحصر لكن ننبه على شيء منها.

فمما جاء من ذلك ما بلغنا أن قس بن ساعدة، وأكثم بن صيفي اجتمعا، فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال: هي أكثر من أن تحصر، وقد وجدت خصلة إن استعملها الإنسان سترت العيوب كلها. قال: وما هي؟ قال: حفظ اللسان.

وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه لصاحبه الربيع:

يا ربيع لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ولم تملكها، وقال بعضهم: مثل اللسان مثل السبع، إن لم توثقه عدا عليك ولحقك شره.

ومما أنشدوه في هذا الباب:

إحفظ لسانك أيّها الإنسان ... لا يلدغنّك إنّه ثعبان

كم في المقابر من قتيل لسانه ... كانت تهاب لقاءه الشجعان

وقال الفارسي:

<<  <   >  >>