للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصايا أنبيائهم، فأرسل الله تعالى عليهم جندا من الملائكة فحصل بينهم مقتلة عظيمة، وغلبوا الجن وطردوهم إلى أطراف البحار وأسروا منهم أمما كثيرة.

وذكر المسعودي أن الفرس واليونان قالوا: كان الجن بالأرض قبائل منهم من يسترق السمع، ومنهم من ينط مع لهب النار، ومنهم من يطير، ولكل قبيلة ملك، وكان من جملتهم إبليس لعنه الله، ثم بعد خمسة آلاف سنة افترقوا وملكوا عليهم ملوكا، وأقاموا على ذلك مدة طويلة، ثم تحاسدوا على الملك، وأغار بعضهم على بعض وجرت بينهم وقائع وحروب، وكان إبليس لعنه الله يصعد إلى السماء ويختلط بالملائكة، فبعثه الله تعالى بجيوش من الملائكة، فهزم الجن، وقتلهم، وتملك الأرض مدة طويلة إلى أن خلق آدم عليه الصلاة والسلام واتفق له معه ما اتفق، وأهبط آدم إلى الأرض وعظم شأنه، فعند ذلك انتقل إبليس إلى البحر المحيط وسكن هناك، ثم ألقى عليه قوة شهوة السفاد فهو لا يلد لكنه يلقح كالطير، ويبيض ويفرخ.

قيل: إنه يخرج من كل بيضة ستون ألف شيطان، فيسلطهم على الخلق، وأقربهم إليه وأدناهم منه، ومن مجلسه، أكثرهم إيذاء للخلق.

وفي الحديث: أن إبليس لعنه الله قال يا رب أنزلتني إلى الأرض وطردتني وجعلتني رجيما فاجعل لي مسكنا قال:

مسكنك الأسواق قال: فاجعل لي طعاما. قال: ما لم يذكر اسمي عليه. قال: فاجعل لي شرابا قال: كل مسكر.

قال: فاجعل لي مؤذنا. قال: المزامير. قال: فاجعل لي صيدا، أو قال مصائد قال: النساء.

[فصل في مكايده لعنه الله]

منها: أنه كان في بني إسرائيل عابد يدعى برصيصا وله جار له بنت فحصل لها مرض، فقال له جيرانه لو حملتها إلى جارك برصيصا ليدعو لها، قال فجاء إبليس إلى العابد، وقال إن لجارك عليك حق الجوار، وإن له بنتا مريضة، فما ضرك لو جعلتها عندك في جانب البيت ودعوت الله لها عقب عبادتك، فعسى أن تشفى من مرضها. قال: فلما أتاه جاره بالبنت قال له العابد: دعها وانصرف. قال: فتركها عنده مدة حتى شفيت، فجاء له إبليس ووسوس له حتى وطئها، فحملت منه، فلما حملت جاء له إبليس لعنه الله فقال له: اقتلها لئلا تفتضح قال: فقتلها، ودفنها. قال: فعند ذلك ذهب الشيطان إلى أهلها وأعلمهم بذلك، فجاءوا إلى العابد وكشفوا عن قضيته، ثم أخذوه ومضوا ليقتلوه، فعارضه إبليس اللعين في الطريق، فقال له: إن سجدت لي خلصتك منهم، فسجد له، فعند ذلك تبرأ منه ومات الرجل كافرا. اللهم اعصمنا من مكائد الشيطان برحمتك يا أرحم الراحمين.

ومن ذلك ما اتفق أن بني إسرائيل اتخذوا شجرة وصاروا يعبدونها فجاء بعض عبادهم بفأس ليقطعها، فعارضه إبليس لعنه الله، وقال له: تركت عبادتك وجئت لشيء لا يعود عليه نفعه، ولم يزل به حتى تقاتل معه، فصرعه العابد، وجلس على صدره، ثم رجع ولم يزل يعمل معه ذلك في كل يوم إلى ثلاثة أيام، فلما رآه لا يرجع قال له:

اترك قطعها، وأنا أجعل لك في كل يوم دينارين تستعين بهما على نفقتك وعبادتك، وعاهده على ذلك، فرجع.

قال: فجعل له تحت وسادته دينارين، ثم دينارين، ثم دينارين، ثم قطع ذلك عنه، فأخذ العابد الفأس وذهب إلى قطع الشجرة، فعارضه إبليس في الطريق، وتحاور معه، وتجاذبا، فصرعه إبليس وجلس على صدره، وقال له: إن لم ترجع عن قطعها، وإلا ذبحتك، فقال له العابد: خل عني، واخبرني كيف غلبتني، فقال له: لما غضبت لله غلبتني، ولما غضبت لنفسك غلبتك.

ومنها أشياء كثيرة ليس هذا محل استيفائها. قال الله تعالى: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ٥٠

«١» .

[فصل في المتشيطنة وهم أنواع كثيرة]

منها: الولهان يوجد في جزائر البحار على صورة الإنسان.

حكى بعض المسافرين أنه عرض لمركب وهو راكب على نعامة يريد أخذ المركب، وصاح بهم صيحة عظيمة خروا منها على وجوههم وأخذ بعض من في المركب.

ومنها السعلاة يحكى أن صنفا منها يتزيا بزي النساء، ويتراءى للرجال.

وحكي أن بعضهم تزوج امرأة منهن وهو لا يعلم، فأقامت معه مدة وولدت منه أولادا ذكورا وأناثا، فلما

<<  <   >  >>