ومنها جزيرة الواق «١» خلف جبل يقال له: اصطفيون داخل البحر الجنوبي، ويقال إن هذه الجزيرة كانت ملكتها امرأة، وإن بعض المسافرين وصل إليها ودخلها ورأى هذه الملكة، وهي جالسة على سرير، وعلى رأسها تاج من ذهب وحولها أربعمائة وصيفة كلهن أبكار، وفي هذه الجزيرة من العجائب شجر يشبه شجر الجوز، وخيار الشنبر ويحمل حملا كهيئة الإنسان، فإذا انتهى سمع له تصويت يفهم منه واق واق، ثم يسقط، وهذه الجزيرة كثيرة الذهب حتى قيل إن سلاسل خيمهم ومقاود كلابهم وأطواقها من الذهب.
ومنها جزيرة الصين يقال: إن بها ثلاثمائة مدينة ونيفا سوى القرى والأطراف وأبوابها اثنا عشر بابا، وهي جبال في البحر بين كل جبلين فرجة، وهذه الجبال تمر بها المراكب مسيرة سبعة أيام، وإذا جاوزت السفينة الأبواب سارت في ماء عذب حتى تصل إلى الموضع الذي تريده، وفيها من الأودية والأشجار والأنهار ما لا يمكن وصفه، فتبارك الله رب العالمين.
وقيل: إن الاسكندر لما فرغ من بناء سده حمد الله تعالى وأثنى عليه ثم نام، وإذا بحيوان عظيم صعد من البحر إلى أعلى وسد الأفق، فظن من حول الملك أنه يريد ابتلاعهم، ففزعوا، فانتبه، فقال: ما لكم؟ فقالوا له؟ انظر ما حل بنا، فقال: ما كان الله ليأخذ نفسا قبل انقضاء أجلها، وقد منعني من العدو فلا يسلط عليّ حيوانا من البحر. قال: فإذا بالحيوان قد دنا من الملك، وقال: أيها الملك أنا حيوان من هذا البحر، وقد رأيت هذا السد بني وخرب سبع مرات، ولم يزد على ذلك، ثم غاب في البحر، فتبارك من له هذا الملك العظيم، لا إله إلا هو العزيز الحكيم.
وقيل: إن بجزيرة النسناس باليمن مدينة بين جبلين وليس لها ماء يدخل فيها إلا من المطر، وطولها نحو ستة فراسخ، وهي حصينة ذات كروم ونخيل، وأشجار، وغير ذلك، وإذا أراد إنسان الدخول فيها حثى على وجهه التراب، فإن أبى إلا الدخول خنق أو صرع، وقيل: إنها معمورة بالجان، وقيل: بخلق من النسناس، ويقال: إنهم من بقايا عاد الذين أهلكهم الله بالريح العقيم، وكل واحد منهم شق إنسان، ونقل عن بعض المسافرين أنه قال: بينما نحن سائرون إذ أقبل علينا الليل فبتنا بواد، فلما أصبح الصباح سمعنا قائلا يقول من الشجرة: يا أبا بجير الصبح قد أسفر، والليل قد أدبر، والقناص قد حضر، فالحذر الحذر. قال: فلما ارتفع النهار أرسلنا كلبين كانا معنا نحو الشجرة، فسمعت صوتا يقول: ناشدتك. قال، فقلت لرفيقي: دعهما. قال: فلما وثقا بنا نزلا هاربين، فتبعهما الكلبان وجدّا في الجري، فأمسكا شخصا منهما قال:
فأدركناه وهو يقول:
الويل لي مما به دهاني ... دهري من الهموم والأحزان
قفا قليلا أيها الكلبان ... إلى متى إليّ تجريان
قال: فأخذناه ورجعنا، فذبحه رفيقي وشواه، فعفته ولم آكل منه شيئا، فتبارك الله ما أكثر عجائب خلقه. لا إله إلا هو ولا معبود سواه.
[الفصل الثاني في ذكر الأنهار والآبار والعيون]
قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ
«٢» . وقال المفسرون: هو المطر، ومعنى سلكه أدخله في الأرض، وجعله عيونا ومسايل ومجاري كالعروق في الجسد، فمن الأنهار ما هو من الأمطار المجتمعة، ولهذا ينقطع عند فراغ مادته، ومنها ما ينبع من الأرض، وأطول ما يكون من الأنهار ألف فرسخ، وأقصره عشرة فراسخ إلى اثنين وثلاثة، وبين ذلك، وكلها تبتدىء من الجبال وتنتهي إلى البحار والبطائح، وفي ممرها تسقي المدن والقرى وما فضل منها ينصب في البحر المالح ويختلط به، ولا يمكن استيفاء عددها لكنا نشير إلى بعضها فنقول.
النيل المبارك: ليس في الأنهار أطول منه لأنه مسيرة شهرين في بلاد الإسلام، وشهرين في بلاد النوبة، وأربعة في الخراب، وقيل: إن مسافته من منبعه إلى أن ينصب في البحر الرومي ألف وسبعمائة فرسخ وثمانية وأربعون فرسخا. قال ذلك صاحب مباهج الفكر ومناهج العبر «٣» .