ولي في غنى نفسي مراد ومذهب ... إذا انصرفت عنّي وجوه المذاهب
وقيل: ينبغي أن يكون المرء في دنياه كالمدعو إلى الوليمة أن أتته صحفة تناولها، وإن لم تأته لم يرصدها ولم يطلبها.
وقال شقيق بن إبراهيم البلخي: قال لي إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: أخبرني عما أنت عليه. قلت: إن رزقت أكلت، وإن منعت صبرت. قال: هكذا تعمل كلاب بلخ؟ فقلت: كيف تعمل أنت؟ قال: إن رزقت آثرت، وإن منعت شكرت.
وقال بعضهم:
هي القناعة فالزمها تعش ملكا ... لو لم يكن منك إلا راحة البدن
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها ... هل راح منها بغير القطن والكفن
(وقال آخر) :
وإنّ القناعة كنز الغنى ... فصرت بأذيالها ممتسك
فلا ذا يراني على بابه ... ولا ذا يراني له منهمك
فصرت غنيّا بلا درهم ... أمرّ على الناس شبه الملك
جاء فتح الموصلي إلى أهله بعد العتمة، فلم يجد عندهم شيئا للعشاء ووجدهم بغير سراج، فجلس ليلته يبكي من الفرح ويقول: بأي يد كانت مني تركت مثلي على هذه الحالة. والله تعالى أعلم.
[الفصل الثالث في ذم الحرص والطمع وطول الأمل]
قال الله تعالى: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ ١ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ٢
«١» .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ ١ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ٢
«٢» قال: يقول ابن آدم مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، ولبست فأبليت، وتصدقت فأمضيت.
وروى عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا عائشة إن أردت اللحوق بي، فليكفك من الدنيا كزاد الراكب، وإياك ومجالسة الأغنياء، ولا تستخلقي ثوبا حتى ترقعيه» «٣» .
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، وهلاك آخره هذه الأمة بالبخل والأمل» .
وقيل: الحرص ينقص من قدر الإنسان ولا يزيد في رزقه، وقيل لحكيم: ما بال الشيخ أحرص على الدنيا من الشاب؟ قال: لأنه ذاق من طعم الدنيا ما لم يذقه الشاب.
وما أحسن ما قال بعضهم:
إذا طاوعت حرصك كنت عبدا ... لكلّ دنيئة تدعى إليها
وقال آخر وأجاد:
قد شاب رأسي ورأس الدهر لم يشب ... إن الحريص على الدنيا لفي تعب
وقيل للإسكندر: ما سرور الدنيا؟ قال: الرضا بما رزقت منها. قيل: فما غمها؟ قال: الحرص عليها.
وقال الحسن: لو رأيت الأجل ومروره لنسيت الأمل وغروره.
وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: إشترى أسامة بن زيد وليدة بمائة دينار إلى شهر، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا تعجبون من أسامة اشترى إلى شهر؟ إن أسامة لطويل الأمل.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يخرج فيبول ثم يمسح بالتراب، فأقول: إن الماء منك قريب، فيقول: ما يدريني لعلي ما أبلغه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: لا يزال الكبير شابا في اثنين، حب المال وطول الأمل.
وقيل لمحمد بن واسع: كيف تجدك؟ قال: قصير الأجل، طويل الأمل، مسيء العمل، وقيل: من جرى في عنان أمله كان عاثرا بأجله، لو ظهرت الآجال لافتضحت الآمال.
ولقد أحسن أبو العباس أحمد بن مروان في قوله: