فقد قالوا: ينبغي لصاحب المال أن يحترز ويحتفظ عليه من المطمعين والمبرطحين والمحترفين والموهمين والمتنسمين.
فأما المطمعون: فهم الذين يتلقون أصحاب الأموال بالبشر والإكرام والتحية والإعظام إلى أن يأنسوا بهم ويعرفوهم بالمشاهدة، وربما قضوا ما قدروا عليه من حوائجهم إلى أن يألفوها ويحصل بينهم سبب الصداقة، ثم إن أحدهم يذكر لصاحب المال في معرض المقال أنه كسب فائدة كثيرة في معيشته، ثم يمشي معه في الحديث إلى أن يقول إني فكرت فيما عليك من المؤن والنفقات، وهذا أمر يعود ضرره في المستقبل إن لم تساعد بالمكاسب، وغرضي التقرب إليك ونصحك وخدمتك، وأريد أن أوجه إليك فائدة من المتجر بشرط أن لا أضع يدي لك على مال بل يكون مالك تحت يدك أو تحت يد أحد من جهتك. ويخرج له في صفة الناصحين المشفقين، فإذا أجابه إلى ذلك كان أمره معه على قسمين: إن ائتمنه، وجعل المال بيده أعطاه اليسير منه على صفة أنه من الربح، وطاول به الأوقات ودفع إليه في المدة الطويلة الشيء اليسير من ماله، ثم يحتج عليه ببعض الآفات ويدعي الخسارة، فإن لزمه صاحب المال قابحه، وبرطل من جملة المال صاحب جاه، فيدفعه ويقول هذا راباني، فإن روعي صاحب المال وفق بينهما على أن يكتب عليه ببقية المال وثيقة، فلا يستوفي ما فيها إلا في الآخرة، وإن هو لم يأتمنه وعول أن يكون القبض بيده، والمتاع مخزونا لديه، واطأ عليه البائعين والمشترين وحصل لنفسه وعمل ما يقول به، فإن حصل لصاحب المال أدنى ربح أوهمه أن مفاتيح الأرزاق بيده، وإن كسد المشتري أو رخص أحال الأمر على الأقدار وقال ليس لي علم بالغيب.
ومن أشد المطمعين المتعرضون لصنعة الكيمياء وهم الطماعون المطمعون في عمل الذهب والفضة من غير معدنها، فيجب أن يحذر التقرب منهم والاستماع لهم في شيء من حديثهم، فإن كذبهم ظاهر، وذلك أنهم يوهمون الغير أنهم ينيلونهم خيرا ويطلعونهم على صنعتهم ابتداء منهم لا لحاجة، وهذا يستحيل. ويحتجون بأن ما يلجئهم إلى ذلك إلا عدم الامكان وتعذر المكان.
فمنهم من يكون شوقه إلى أن يدخل إلى مكان ويترك عنده عدة لها قيمة، فيأخذها وينسحب. ومنهم من يشترط أن عمله لا ينتهي إلى مدة فيقنع في تلك المدة بالأكل غدوة وعشية وسبيله بعد ذلك إن كان معروفا قال: فسد عليّ العمل من جهة كيت وكيت، ويقول للذي ينفق عليه: هل لك في المعاودة؟ فإن حمله الطمع ووافقه كان هذا له أتم غرض، ثم يحتال آخر المدة على الفراق بأي سبب كان. وإن كان منكورا غافل صاحب المكان وخرج هاربا.
ومن المطمعين قوم يجعلون في الجبال أمارات من ردم وحجر ويأتون إلى أصحاب الأموال ويقولون: إنا نعرف علم كنز فيه من الإمارات كيت وكيت ثم يوقفونهم على ورقة متصنعة ويقولون: نريد أن تأخذ لنا عدة تنفق علينا ومهما حصل من فضل الله تعالى لنا ولك، فيوافقهم على ذلك، ويطون نفسه على أن المدة تكون قريبة، فيعملون يوما أو يومين فيظهر لهم أكثر الامارات فيزداد طمعا ويعتقد الصحة، ثم يدرجونه إلى أن ينفق عليهم ما شاء الله تعالى، ويكون آخر أمرهم كصاحب الكيمياء. وإن كانوا منكورين ورغبتهم الطمعة في قماشه أو في العدة التي معه، فربما قتلوه هناك لأجل ذلك ومضوا، فهذا أمر المطمعين.
وأما المبرطحون: فهم من الخونة والناس بهم أكثر غررا، وذلك أنهم إذا ندب صاحب المال أحد منهم لشراء حاجة سارع فيها واحتاط في جودتها وتوفير كيلها أو وزنها أو درعها ووضع من أصل ثمنها شيئا وزنه من عنده حتى يبيض وجهه عند صاحب المال، ويعتقد نصحه وأمانته ونجح مساعيه، وكذلك إن ندبه لشيء يبيعه استظهر واستجاد النقد ولا يزال هكذا دأبه حتى يلقي مقاليد أموره إليه فيستعطفه، ويفوز به، ثم يغير الحال الأول في الباطن. فينبغي لصاحب المال أن لا يغفل عنه.
وأما المحترفون الموهمون: فهم الذين يتعرضون لذوي الأموال فيظهرون لهم الغنى والكفاية ويباسطونهم مباسطة الأصدقاء، ويعتمدون جودة اللباس ويستعملون كثيرا من الطيب، ثم إن أحدهم يذكر أنه يربح الأرباح العظيمة، فيما يعانيه ويذكر ذلك مع الغير، ولا يزال كذلك حتى يثبت ويستقر في ذهن صاحب المال أنه يكتسب في كل سنة الجمل الكثيرة من المال، وأنه لا يبالي إذا أنفق أو أكل أو شرب، فتشره نفس صاحب المال لذلك فيقول له على سبيل المداعبة يا فلان: تريد الدنيا كلها لنفسك. لم لا تشركنا في متاجرك هذه وأرباحك؟ فيقول له: أنت جبان يعز عليك إخراج الدينار، وتظن أنك إن أظهرته