لعمرك إن في ذنبي لشغلا ... لنفسي عن ذنوب بني أميه
على ربي حسابهم إليه ... تناهى علم ذلك لا إليه
وقال علي رضي الله عنه: إذا تم العقل نقص الكلام.
وقال أعرابي: رب منطق صدع جمعا «١» وسكوت شعب صدعا «٢» ، وقال وهب بن الورد: بلغنا أن الحكمة عشرة أجزاء: تسعة منها في الصمت، والعاشر في عزلة الناس، وقال علي بن هشام رحمة الله تعالى عليه:
لعمرك إنّ الحلم زين لأهله ... وما الحلم إلّا عادة وتحلّم
إذا لم يكن صمت الفتى عن ندامة ... وعيّ فإن الصمت أولى وأسلم
وقال ابن عيينة: من حرم الخير فليصمت، فإن حرمهما فالموت خير له، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي ذر رضي الله عنه: «عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان، وعون على أمر دينك» .
ومن كلام الحكماء: من نطق في غير خير فقد لغا «٣» ، ومن نظر في غير اعتبار فقد سها، ومن سكت في غير فكر فقد لها، وقيل: لو قرأت صحيفتك لأغمدت صفيحتك «٤» ولو رأيت ما في ميزانك لختمت على لسانك.
ولمّا خرج يونس عليك السلام من بطن الحوت طال صمته، فقيل له: ألا تتكلم؟ فقال: الكلام صيرني في بطن الحوت. وقال حكيم: إذا أعجبك الكلام فاصمت، وإذا أعجبك الصمت فتكلم.
وكان يقال: من السكوت ما هو أبلغ من الكلام لأن السفيه إذا سكت عنه كان في اغتنام «٥» .
وقيل لرجل: بم سادكم الأحنف، فو الله ما كان بأكبركم سنا، ولا بأكثركم مالا؟ فقال: بقوة سلطانه على لسانه.
وقيل: الكلمة أسيرة في وثاق الرجل، فإذا تكلم بها صار في وثاقها.
وقيل: اجتمع أربعة ملوك، فتكلموا، فقال ملك الفرس: ما ندمت على ما لم أقل مرة، وندمت على ما قلت مرارا، وقال قيصر: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت، وقال ملك الصين: ما لم أتكلم بكلمة ملكتها، فإذا تكلمت بها ملكتني، وقال ملك الهند:
العجيب ممن يتكلم بكلمة إن رفعت ضرت وإن لم ترفع لم تنفع. وكان بهرام جالسا ذات ليلة تحت شجرة، فسمع منها صوت طائر، فرماه، فأصابه، فقال: ما أحسن حفظ اللسان بالطائر والإنسان. لو حفظ هذا لسانه ما هلك.
وقال علي رضي الله تعالى عنه: بكثرة الصمت تكون الهيبة. وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل. وقال لقمان لولده: يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم، فافتخر أنت بحسن صمتك، يقول اللسان كل صباح وكل مساء للجوارح كيف أنتن، فيقلن بخير إن تركتنا.
قال الشاعر:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلي ... إن البلاء موكّل بالمنطق
[الفصل الثاني في تحريم الغيبة]
اعلم أن الغيبة من أقبح القبائح وأكثرها انتشارا في الناس حتى لا يسلم منها إلا القليل من الناس وهي ذكرك الإنسان بما يكره ولو بما فيه سواء كان في دينه أو بدنه أو نفسه أو خلقه أو خلقه أو ماله أو ولده أو والده أو زوجته أو خادمه أو عمامته أو ثوبه أو مشيته أو حركته أو بشاشته أو خلاعته أو غير ذلك مما يتعلق به سواء ذكرته بلفظك أو بكتابك أو رمزت إليه بعينك أو يدك أو رأسك أو نحو ذلك.
فأما الدّين فكقولك سارق، خائن، ظالم، متهاون بالصلاة، متساهل في النجاسات، ليس بارا بوالديه، قليل الأدب، لا يضع الزكاة مواضعها، ولا يجتنب الغيبة.
وأما البدن فكقولك: أعمى، أو أعرج، أو أعمش، أو قصيرا، أو طويلا، أو أسود، أو أصفر.
وأما غيرهما فكقولك: فلان قليل الأدب، متهاون بالناس لا يرى لأحد عليه حقا، كثير النوم، كثير الأكل وما أشبه ذلك، أو كقولك فلان أبوه نجار أو إسكاف أو حداد أو حائك، تريد تنقيصه بذلك أو فلان سيء الخلق متكبر، مراء، معجب، عجول، جبار، ونحو ذلك. أو فلان