واسع الكم، طويل الذيل، وسخ الثوب، ونحو ذلك.
وقد روينا في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره» قيل: وإن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته» قال الترمذي حديث حسن صحيح.
وروينا في سنن أبي داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا. قال بعض الرواة تعني قصيرة. فقال: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» أي خالطته مخالطة يتغير بها طعمه وريحه لكثرة نتنها.
وروينا في سنن أبي داود عن أنس رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما عرج بي إلى السماء مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم» .
وروي عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«إياكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليزني فيتوب، فيتوب الله عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبها» .
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: من اغتاب المسلمين وأكل لحومهم بغير حق وسعى بهم إلى السلطان، جيء به يوم القيامة مزرقة عيناه ينادي بالويل والثبور ويعرف أهله ولا يعرفونه.
وقال معاوية بن قرة: أفضل النس عند الله أسلمهم صدرا وأقلهم غيبة، وقال الأحنف: فيّ خصلتان: لا أغتاب جليسي إذا غاب عني، ولا أدخل في أمر قوم لا يدخلوني فيه.
وقيل للربيع بن خيثم: ما نراك تعيب أحدا فقال: لست عن نفسي راضيا فأتفرغ لذم الناس وأنشد:
لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها ... لنفسي من نفسي عن الناس شاغل
وقال كثيّر عزة:
وسعى إليّ بعيب عزّة نسوة ... جعل الإله خدودهنّ نعالها
وقال محمد بن حزم: أول من عمل الصابون سليمان وأول من عمل السويق «١» ذو القرنين وأول من عمل الحيس «٢» يوسف، وأول من عمل خبز الجرادق «٣» نمروذ، وأول من كتب في القراطيس الحجاج، وأول من اغتاب إبليس لعنه الله اغتاب آدم عليه السلام.
وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام: أن المغتاب إذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة، وإن أصر فهو أول من يدخل النار.
ويقال: لا تأمن من كذب لك أن يكذب عليك، ومن اغتاب عندك غيرك، أن يغتابك عند غيرك.
وقيل للحسن البصري رضي الله تعالى عنه: إن فلانا اغتابك، فأهدى إليه طبقا من رطب فأتاه الرجل وقال له:
اغتبتك فأهديت إلي، فقال الحسن: أهديت إلي حسناتك فأردت أن أكافئك.
وعن ابن المبارك رحمه الله تعالى قال: لو كنت مغتابا أحدا لاغتبت والدي لأنهما أحق بحسناتي، وإذا حاكى إنسان إنسانا بأن يمشي متعارجا أو متطأطئا أو غير ذلك من الهيئات، يريد تنقيصه بذلك فهو حرام، وبعض المتفقهين والمتعبدين يعرضون بالغيبة تعريضا تفهم به كما تفهم بالتصريح، فيقال لأحدهم كيف حال فلان فيقول الله يصلحنا، الله يغفر لنا، الله يصلحه، نسأل الله العافية، نحمد الله الذي لم يبتلنا بالدخول على الظلمة، نعوذ بالله من الكبر، يعافينا الله من قلة الحياء، الله يتوب علينا ...
وما أشبه ذلك مما يفهم تنقيصه فكل ذلك غيبة محرمة.
واعلم أنه كما يحرم على المغتاب ذكر الغيبة كذلك يحرم على السامع استماعها، فيجب على من يستمع إنسانا يبتدىء بغيبة أن ينهاه إن لم يخف ضررا، فإن خافه وجب عليه الإنكار بقلبه ومفارقة ذلك المجلس إن تمكن من مفارقته، فإن قال بلسانه أسكت وقلبه يشتهي سماع ذلك، قال بعض العلماء، إن ذلك نفاق. قال الله تعالى: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ
«٤» ومما أنشدوه في هذا المعنى:
وسمعك صن عن سماع القبيح ... كصون اللسان عن النطق به