قليل مدام عليه خير من كثير مملول. وفي التوراة: حرك يدك افتح لك باب الرزق.
وكان إبراهيم بن أدهم «١» يسقي ويرعى ويعمل بالكراء ويحفظ البساتين والمزارع ويحصد بالنهار ويصلي بالليل.
وعن علي رضي الله تعالى عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: ما ينفي عني حجة العلم؟
قال: العمل. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الكيّس «٢» من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني» .
وقال الأوزاعي: إذا أراد الله بقوم سوءا أعطاهم الجدل ومنعهم العمل. وأنشد يقول:
وما المرء إلّا حيث يجعل نفسه ... ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل
وقال بعض الحكماء: لا شيء أحسن من عقل زانه حلم، ومن عمل زانه علم، ومن حلم زانه صدق. ودخل بعض الخواص على إبراهيم بن صالح وهو أمير فلسطين فقال له: عظني. فقال له الولي: بلغني رحمك الله أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم الموتى، فانظر ماذا تعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عملك. فبكى إبراهيم حتى سالت دموعه.
وقيل: من جدّ وجد، وأنشدوا في المعنى:
إنّي رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقلّ من جدّ في أمر يحاوله ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
وتقول العرب: فلان وثّاب على الفرص.
وقال بعضهم:
وإنّي إذا باشرت أمرا أريده ... تدانت أقاصيه وهان أشده
وعن أنس رضي الله تعالى عنه: يتبع الميت ثلاث.
فيرجع إثنان، ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ولا يرجع عمله. وقال بعضهم: العمل سعي الأركان إلى الله، والنية سعي القلوب إلى الله، والقلب ملك والأركان جنود ولا يحارب الملك إلا بالجنود، ولا الجنود إلا بالملك. وقيل: الدنيا كلها ظلمات إلا موضع العلم، والعلم كله هباء إلا موضع العمل، والعمل كله هباء إلا موضع الإخلاص، هذا هو العمل.
[وأما الكسب:]
فقد جاء في تفسير قوله تعالى: وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ
«٣» أي دروع من الحديد، وذلك أن داود عليه الصلاة والسلام كان يدور في الصحاري فإذا رأى من لا يعرفه تحدث معه في أمر داود، فإذا سمعه عابه بشيء يصلحه من نفسه، فسمع يوما من يقول: إني لا أجد في داود عيبا إلا أنه يأكل من غير كسبه، فعند ذلك صلى داود عليه الصلاة والسلام في محرابه وتضرع بين يدي الله تعالى وسأله أن يعلمه ما يستعين به على قوته، فعلمه الله تعالى صنعة الحديد وجعله في يده كالشمع، فاحترفها واستعان بها على أمره وصار يحكم منها الدروع.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جعل رزقي تحت ظل رمحي فكانت حرفته الجهاد» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب العبد المحترف» . وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يبغض العبد الصحيح الفارغ» . وقال عليه الصلاة والسلام: «من اكتسب قوته ولم يسأل الناس لم يعذبه الله تعالى يوم القيامة» . ولو تعلمون ما أعلم من المسألة لما سأل رجل رجلا شيئا وهو يجد قوت يومه، وليس عند الله أحب من عبد يأكل من كسب يده إن الله تعالى يبغض كل فارغ من أعمال الدنيا والآخرة.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من بات كالّا في طلب الحلال أصبح مغفورا له» . وعن الحسن رحمه الله: كسب الدرهم الحلال أشد من لقاء الزحف.
وقيل لمحمد بن مهران: إن ههنا أقواما يقولون نجلس في بيوتنا وتأتينا أرزاقنا، فقال: هؤلاء قوم حمقى إن كان لهم مثل يقين إبراهيم خليل الرحمن فليفعلوا.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة. وقال أيضا: إني لأرى