اصبر لتنظر ما يكون من أمره، فقال فتحول مسروق من الفيل إلى جمل فقال: أصبر، فتحول بعد ذلك إلى فرس ثم إلى بغل ثم إلى حمار وكأنه أنف من مقاتلتهم على شيء من ذلك إلا على حمار لما أنه استصغرهم وأستحقرهم، وتفرس ذلك الرجل فيه من الانتقال من أعلى إلى أدنى وقال: إحملوا عليهم فإن ملكهم قد ذهب فإنه انتقل من كبير إلى صغير فحملوا عليهم فكسروهم وقتل الملك.
وحكي: أنه كان عراف من الطرقيين ببغداد يخبر بما يسأل عنه فلم يخطىء فسأله رجل عن شخص محبوس هل ينطلق، قال: نعم ويخلع عليه. قال: فقلت له: بأي شيء عرفت ذلك؟ فقال: إنك لما سألتني التفت يمينا وشمالا فوجدت رجلا على ظهره قربة ماء ففرغها ثم حملها على كتفه فأولت الماء بالمحبوس وتفريغه بالانطلاق، ووضعها على كتفه بالخلعة، قال: وكان الأمر كذلك.
[وأما الفأل:]
فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل الصالح والاسم الحسن. وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل المدينة على كلثوم دعا غلامين له يا بشار ويا سالم فقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله تعالى عنه: أبشر يا أبا بكر فقد سلمت لنا الدار.
وقال الأصمعي: سألت ابن عون عن الفأل فقال: هو أن يكون مريض فيسمع يا سالم أو طالب حاجة فيسمع يا واجد وما أشبه ذلك.
[وأما الطيرة:]
فقد كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل ويكره الطيرة. وقيل: ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من عرض له من هذه الطيرة شيء، فليقل اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما (رفعه) : من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر «١» .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: من أتى كاهنا فصدقه فيما يقول أو أتى امرأته حائضا في دبرها فقد برىء مما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
وأنشد المبرد هذه الأبيات يقول:
لا يعلم المرء ليلا ما يصبّحه ... إلا كواذب ما يجري به الفال
والفال والزجر والكهان كلّهم ... مضللون ودون الغيب أقفال
وقال لبيد:
لعمري ما تدري الطوارق بالحصى ... ولا زاجرات الطير ما الله صانع
وقال آخر:
تعلّم أنّه لا طير إلّا ... على متطير وهو الثبور
بلى شيء يوافق بعض شيء ... أحايينا وباطله كثير «٢»
وكانت العرب تتطير بأشياء كثيرة منها العطاس. وسبب تطيرهم منه أن دابة يقال لها العاطوس كانوا يكرهونها وكانوا إذا أرادوا سفر خرجوا من الغلس والطير في أوكارها على الشجر فيطيرونها، فإن أخذت يمينا أخذوا يمينا وإن أخذت شمالا أخذوا شمالا «٣» . ومنه قول امرىء القيس:
وقد اغتدي والطير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل
مكر مفر مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطّه السيل من عل
والعرب أعظم ما يتطيرون منه الغراب، فالقول فيه أكثر من أن يطلب عليه شاهد ويسمونه حاتما لأنه يحتم عندهم بالفراق، ويسمونه الأعور على جهة التطير بصرا، وفيه يقول بعضهم:
إذا ما غراب البين صاح فقل له ... ترفّق رماك الله يا طير بالبعد
لأنت على العشّاق أقبح منظر ... وأبشع في الأبصار من رؤية اللّحد
تصيح ببين ثم تعثر ماشيا ... وتبرز في ثوب من الحزن مسودّ