يتخذها للولد فليتخذها فارسية، ومن أراد أن يتخذها للخدمة فليتخذها رومية. قال الشاعر:
لا تشتمنّ امرأ ممّن يكون له ... أمّ من الروم أو سوداء عجماء
فإنّما أمهات القوم أوعية ... مستودعات وللأنساب آباء
وقال الأصمعي أتاني رجل من قريش يستشيرني في امرأة يتزوجها، فقلت: يا ابن أخي أقصيرة النسب أم طويلته؟ فلم يفهم عليّ، فقلت: يا ابن أخي: أما القصيرة النسب فالتي إذا ذكرت أباها اكتفت به، والطويلة النسب فهي التي لا تعرف حتى تطيل في نسبها، فإياك أن تقع مع قوم قد أصابوا كثيرا من الدنيا مع دناءة فيهم، فتضيع نسبك فيهم. وخرج رجل من أهل الكوفة في غزاة، فكسب جارية وفرسا وكان مملكا على ابنة عمه، فكتب إليها يعيرها ويقول:
إلا بلّغوا أمّ البنين بأننا ... غنينا وأغنتنا الغطارفة النجد «١»
بعيد مناط المنكبين «٢» إذا جرى ... وبيضاء كالتمثال زيّنها العقد
فهذا لأيام العدو وهذه ... لحاجة نفسي حين ينصرف الجند
فلما ورد عليها كتابه وقرأته قالت يا غلام: هات الدواة، وكتبت جوابه تقول:
ألا فاقرء مني السلام وقل له ... غنينا وأغنتنا الغطارفة المرد «٣»
إذا شئت أغناني غلام مرجّل ... ونازعته في ماء معتصر الورد
وإن شاء منهم ناشىء مدّ كفه ... إلى عكن ملساء أو كفل نهدي «٤»
فما كنتم تقضون حاجة أهلكم ... شهودا فتقضوها على النأي والبعد
فعجّل إلينا بالسّراح «٥» فإنّه ... منانا ولا ندعو لك الله بالرد
فلا قفل الجند الذي أنت فيهم ... وزادك رب الناس بعدا على بعد
فلما ورد عليه كتابها لم يزد على أن ركب الفرس وأردف الجارية خلفه ولحق بابنة عمه، فكان أول شيء بدأها به بعد السلام أن قال لها: بالله عليك هل كنت فاعلة ذلك، فقالت له: الله في قلبي أعظم وأجل وأنت في عيني أذل وأحقر من أن أعصي الله فيك، فكيف ذقت طعم الغيرة، فوهب لها الجارية، وانصرف إلى الغزاة، والله تعالى أعلم بالصواب.
[الفصل الثاني في صفات النساء المحمودة]
كتب الحجاج إلى الحكم بن أيوب أن اخطب لعبد الملك بن مروان امرأة جميلة من بعيد، مليحة من قريب، شريفة في قومها، ذليلة في نفسها، مؤاتية لبعلها. فكتب إليه قد أصبتها لولا عظم ثديها، فكتب إليه لا يكمل حسن المرأة حتى يعظم ثديها، فتدفي الضجيع، وتروي الرضيع.
وقال عبد الملك بن مروان لرجل من غطفان: صف لي أحسن النساء؟ قال: خذها يا أمير المؤمنين ملساء القدمين، ردماء الكعبين، ناعمة الساقين، ضخماء الركبتين، لفاء الفخذين، ضخمة الذراعين. رخصة الكفين، ناهدة الثديين، حمراء الخدين، كحلاء العينين، زجاء الحاجبين لمياء الشفتين بلجاء الجبين، شماء العرنين، شنباء الثغر، محلولكة الشعر، غيداء العنق، مكسرة البطن. فقال: ويحك وأين توجد هذه؟ قال:
تجدها في خالص العرب وفي خالص الفرس.
وقال حكيم: عليكم بمن تربت في النعيم ثم أصابتها فاقة فأثر فيها الغنى وأدبها الفقر: وقال رجل لخاطب: ابغ لي امرأة لا تؤنس جارا ولا توطن دارا، يعني لا تدخل على الجيران ولا تدخل الجيران عليها، وفي مثل هذه قال الشاعر:
هيفاء فيها إذا استقبلتها صلف ... عيطاء غامضة الكعبين معطار
خود من الخفرات البيض لم يرها ... بساحة الدار لا بعل ولا جار
وقال الأعشى:
لم تمش ميلا ولم تركب على جمل ... ولم تر الشمس إلّا دونها الكلل
وكانت امرأة عمران بن حطان من أجمل الناس وجها،