وتقدمت إمرأة إلى قاض، فقال لها: جامعك شهودك، فسكتت، فقال كاتبه: إن القاضي يقول لك جاء شهودك معك، قالت: نعم، هلا قلت مثل ما قال كاتبك كبر سنّك وقلّ عقلك وعظمت لحيتك حتى غطت على لبك، ما رأيت ميتا يقضي بين الأحياء غيرك.
وقيل: المضروب بهم المثل في الجهل وتحريف الأحكام، قاضي منى وقاضي كسكر وقاضي أيدج، وهو الذي قال فيه أبو إسحاق الصابي:
يا ربّ علج أعلج ... مثل البعير الأهوج «١»
رأيته مطلعا ... من خلف باب مرتج «٢»
وخلفه عذيبة ... تذهب طورا وتجي «٣»
فقلت من هذا ترى ... فقيل قاضي أيدج
وقاضي شلبة وهو الذي قال فيه أبو الحسن الجوهري:
رأيت رأسا كدبّه ... ولحية كالمذبة «٤»
فقلت من أنت قل لي ... فقال قاضي شلبه
وتقدمت امرأة جميلة إلى الشعبي فادّعت عنده فقضى لها، فقال هذيل الأشجعي:
فتن الشعبيّ لما ... رفع الطرف إليها
فتنته ببنان ... كيف لو رأى معصميها
ومشت مشيا رويدا ... ثم هزت منكبيها
فقضى جورا على الخصم ... ولم يقض عليها
فتناشدها الناس وتداولوها حتى بلغت الشعبي فضرب الأشجعي ثلاثين سوطا.
وحكى ابن أبي ليلى قال: انصرف الشعبي يوما من مجلس القضاء ونحن معه فمررنا بخادمة تغسل الثياب وهي تقول: فتن الشعبي لما. وأعادته ولم تعرف بقية البيت فلقنها الشعبي وقال: رفع الطرف إليها. ثم قال أبعده الله أما أنا فما قضيت إلا بالحق. وأنشد بعضهم في أمين الحكم:
تتماوتنّ إذا مشيت تخشّعا ... حتّى تصيب وديعة ليتيم
[الفصل الثاني في الرشوة والهدية على الحكم وما جاء في الديون]
أما الرشوة، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لعن الله الراشي والمرتشي. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا تولوا اليهود ولا النصارى فإنهم يقبلون الرشا ولا يحل في دين الله الرشا، قال الشهيدي: وأصحابنا اليوم أقبل للرشا منهم.
وفي نوابغ الحكم: «إن البراطيل تنصر الأباطيل» .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من شفع شفاعة ليرد بها حقا أو يدفع بها ظلما، فأهدي له فقبل فذلك السحت «٥» ، فقيل له، ما كنا نرى السحت إلا الأخذ على الحكم، قال: الأخذ على الحكم كفر.
وأنشد المبرد رحمه الله تعالى:
وكنت إذا خاصمت خصما كببته ... على الوجه حتى خاصمتني الدراهم
فلما تنازعنا الحكومة غلّبت ... عليّ وقالت: قم فإنك ظالم
وأما الدين وما جاء فيه نعوذ بالله من غلبة الدين وقدر الرجال فقد روي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من تداين بدين وفي نفسه وفاؤه ثم مات، تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء. ومن تداين بدين وليس في نفسه وفاؤه ثم مات، اقتص الله لغريمه منه يوم القيامة.
رواه الحاكم.