إقتبس لنا نارا، فخرج، فوجد بالباب سائلا، فقال له: ما ولدت سيدتك؟ فقال: بنتا، فقال: لا تموت حتى تبغي بألف رجل ويتزوجها خادمها ويكون موتها بالعنكبوت، فقال الخادم، وأنا أصبر لهذه حتى يحصل منها ما يحصل، فصبر حتى قامت أمها لتقضي بعض شؤونها وعمد إلى البنت. فشق بطنها بسكين، وهرب، قال فجاءت أمها، فوجدتها على تلك الحالة، فدعت بمن يعالجها حتى شفيت، فلما كبرت بغت، قال: ثم إنها سافرت وأتت مدينة على ساحل من سواحل البحر، فأقامت هناك تبغي قال، وأما الرجل فإنه صار من التجار، وقدم لتلك المدينة ومعه مال كثير، فقال لامرأة عجوز هنال أخطبي لي امرأة حسنة أتزوج بها قال، فوصفتها له وقالت ليس هنا أحسن منها، ولكنها تبغي، فقال العجوز ائتني بها قال، فذهبت وأخبرتها بالقصة، فقالت لها: حبا وكرامة، فإني قد تبت عن البغي، فتزوج الرجل بها، وأحبها حبا شديدا وأقام معها أياما، وكان يود أن يراها متجردة، فلم يمكنه ذلك حتى إذا كان في بعض الأيام خرج على عادته لقضاء أشغاله ودخلت هي الحمام، وعرضت له حاجة، فرجع إلى الدار، وصعد إلى قصرها، فلم يرها، فسأل عنها، فقيل له هي في الحمام، فدخل عليها، فرآها متجردة، ورأى في بطنها أثرا كالخياطة، فقال: ما هذا؟ قالت: لا أعلم إلا أن أمي أخبرتني أنه كان لنا خادم وأنه يوم ولادتي غافل أمي وشق بطني بسكين وهرب وأنها حين رأتني كذلك دعت بعض الأطباء، فخاط بطني وعالجني حتى أندمل جرحي، وشفيت، وبقي هذا الأثر، فقال لها: أنا ذلك الخادم، وحكى لها السبب، وأن ذلك السائل أخبره أنها تموت بالعنكبوت، ثم إنه اهتم بأمرها وجمع مهندسي البلدة التي هم فيها وسألهم أن يبنوا له بناء لا ينسج عليه العنكبوت، فقالوا كل بناء ينسج عليه إلا أن يكون البلور لنعومته لا ينسج عليه، فأمرهم أن يصنعوا لها قصرا من البلور، وبذل لهم ما أرادوا، فعملوه وفرشه وأمرها أن تقيم فيه لا تخرج منه خوفا عليها من العنكبوت، قال: فبينما هو ذات يوم إذ رأى عنكبوتا قد نسج في ذلك القصر، فقام إليه، فرماه وقال لها هذا الذي يكون موتك منه قال:
فداسته بإبهامها وقالت كالمستهزئة: أهذا الذي يقتلني، فشدخته، فتعلق بطرف إبهامها من مائه شيء فعمل بها حتى ورمت ساقها، ثم وصل الورم إلى قلبها، فقتلها، فما أفاده قصره ولا صرحه شيئا. قال الله تعالى: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ
«١»
الآية.
فائدة: نسج العنكبوت على ثلاثة مواضع: على غار النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى غار عبد الله بن أنيس لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم لخالد الهذلي، فقتله، وحمل رأسه، ودخل به في غار خوفا من أهله، ونسج على عورة زيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم لما صلب عريانا، وقيل إنها نسجت مرتين على داود حين كان جالوت يطلبه.
الخواص: نسجها إن وضع على الجراح الطرية يقطع دمها، ويجلو الفضة إذا دلكت به والذي يوجد من نسجها في بيت الخلاء ينفع المحموم إذا تبخر به.
[(ابن عرس)]
حيوان معروف وهو بأرض مصر كثير ويسمى العرسة وهو عدو للفأر وعنده الحيل، قيل: إنه عدا خلف فأر، فصعد منه على شجرة، فصعد خلفه، وأمر أنثاه أن تقف تحت الشجرة، ثم قطع الغصن الذي كان عليه الفأر، فسقط، فأخذته أنثاه. ومما يحكى عنه أنه يحب الذهب فيسرقه ويلد عليه.
عجيبة: قيل إن رجلا صاد فرخا من أولاده وحبسه تحت طاسة، فجاء أبوه، فوجده، فذهب وأتى بدينار، فوضعه، فلم يفلته، ثم ذهب وأتى بآخر وما زال كذلك حتى أتى بخمسة دنانير، فلم يفلته، ثم أتى بخرقة، فلم يفلته، فأراد ابن عرس أن يأخذ ما برطله به فلما علم الرجل ذلك فهم أنه لم يبق عنده شيء، فأفلته له.
[(حرف الغين) :]
[(غراب)]
وكنيته أبو حاتم وله كنى غير ذلك، وهو أنواع كثيرة منها الأكحل، وغراب الزرع، والأزرق وهذا النوع يحكي جميع ما سمعه، والعرب تتفاءل بصياح الغراب، فتقول: إذا صاح مرتين فشر، وإذا صاح ثلاثة فخير، وهو كالإنسان عند الجماع، وفي طبعه الاستتار عن الناس عند مجامعته، والأنثى تبيض ثلاثا أو أربعا أو خمسا، وتحضن ذلك والأب يسعي في طعمتها إلى أن تفرخ، فإذا فرخت خرجت أفراخها قبيحة المنظر، فتفرق منها وتتركها وتغيب فيرسل الله لها البعوض فتتغذى به ثم لا تزال تتعاهدها حتى ينبت لها الريش فتأتيها ومنه قول الحريري «٢»