عبد مناف إلى المفاخرة، فقال له هاشم: أفاخرك على خمسين ناقة سود الحدق تنحر بمكة، فرضي أمية بذلك وجعل بينهما الخزاعي الكاهن حكما، فخبأوا له شيئا وخرجا إليه ومعهما جماعة من قومهما فقالوا: قد خبأنا لك خبيا فإن علمته تحاكمنا إليك، وإن لم تعلمه تحاكمنا إلى غيرك. فقال لقد خبأتم لي كيت وكيت، قالوا:
صدقت أحكم بين هاشم بن عبد مناف وبين أمية بن عبد شمس أيهما أشرف بيتا ونسبا، فقال: والقمر الباهر والكوكب الزاهر والغمام الماطر وما بالجو طائر وما اهتدى بعلم مسافر لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر ولأمية أواخر، فأخذ هاشم الإبل ونحرها وأطعمها من حضر وخرج أمية إلى الشام وأقام بها عشر سنين، ويقال إنها أول عداوة وقعت بين بني هاشم وبني أمية.
وحكي ... أن هند بنت عتبة بن ربيعة كانت تحت الفاكه بن المغيرة «١» وكان الفاكه من فتيان قريش وكان له بيت ضيافة خارجا عن البيوت تغشاه الناس من غير إذن، فخلا البيت ذات يوم واضطجع فيه هو وهند، ثم نهض لحاجة فأقبل رجل ممن كان يغشى البيت فولجه، فلما رأى هندا رجع هاربا، فلما نظره الفاكه دخل عليها فضربها برجله وقال لها: من هذا الذي خرج من عندك؟ قالت: ما رأيت أحدا قط وما انتبهت حتى أنبهتني، قال: فارجعي إلى بيت أبيك وتكلم الناس فيها فقال أبوها: يا بنية إن الناس قد أكثروا فيك الكلام فإن يكن الرجل صادقا دسيّت عليه من يقتله لينقطع كلام الناس، وإن يك كاذبا حاكمته إلى بعض كهان اليمن. فقالت له: لا والله ما هو علي بصادق.
فقال له: يا فاكه إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم فحاكمني إلى بعض كهان اليمن، فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم وخرج أبوها في جماعة من بني عبد مناف ومعهم هند ونسوة، فلما شارفوا البلاد قالوا: غدا نرد على هذا الرجل فتغيرت حالة هند فقال لها أبوها: إني أرى حالك قد تغير وما هذا إلا لمكروه عندك، فقالت: لا والله، ولكن أعرف أنكم تأتون بشرا يخطىء ويصيب ولا آمنه أن يسمني «٢» بسيما تكون علي سبّة «٣» . فقال لها:
لا تخشي فسوف أختبره، فصفر لفرسه حتى أدلى ثم أدخل في إحليله حبة حنطة وربطه فلما أصبحوا قدموا على الرجل فأكرمهم، ونحر لهم فلما تغدوا قال له عتبة: قد جئناك في أمر وقد خبأنا لك خبيئة نختبرك بها، قال:
خبأتم لي ثمرة في كمرة. قال: إني أريد أبين من هذا.
قال: حبة بر في إحليل مهر، قال: فانظر في أمر هؤلاء النسوة، فجعل يأتي إلى كل واحدة منهن ويضرب بيده على كتفها ويقول لها: انهضي حتى بلغ هندا فقال:
انهضي غير رسحاء «٤» ولا زانية وستلدين ملكا اسمه معاوية، فنهض إليها الفاكه فأخذ بيدها، فجذبت يدها من يده وقالت: إليك عني فو الله إني لأحرص أن يكون ذلك من غيرك. فتزوجها أبو سفيان فولدت منه أمير المؤمنين معاوية رضي الله تعالى عنه.
[وأما القيافة:]
فهي على ضربين قيافة البشر وقيافة الأثر. فأما قيافة البشر فالاستدلال بصفات أعضاء الإنسان وتختص بقوم من العرب يقال لهم بنو مدلج، يعرض على أحدهم مولود في عشرين نفرا فيلحقه بأحدهم.
وحكي عن بعض أبناء التجار أنه كان في بعض أسفاره راكبا على بعيره يقوده غلام أسود فمر بهؤلاء القبيلة فنظر إليه واحد منهم وقال: ما أشبه الراكب بالقائد، قال ولد التاجر: فوقع في نفسي من ذلك شيء فلما رجعت إلى أمي ذكرت لها القصة فقالت: يا ولدي إن أباك كان شيخا كبيرا ذا مال وليس له ولد فخشيت أن يفوتنا ما له فمكنت هذا الغلام من نفسي فحملت بك، ولولا أن هذا شيء ستعلمه غدا في الدار الآخرة لما أعلمتك به في الدنيا.
وأما قيافة الأثر فالاستدلال بالأقدام والحوافر والخفاف وقد اختص به قوم من العرب أرضهم ذات رمل إذا هرب منهم هارب أو دخل عليهم سارق تتبعوا آثار قدمه حتى يظفروا به. ومن العجب أنهم يعرفون قدم الشاب من الشيخ والمرأة من الرجل والبكر من الثيب والغريب من المستوطن. ويذكر أن في قطبة وثغر البرلس أقواما بهذه الصفة وقد وقعت من قريش حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار على صخر صلد وأحجار صم ولا طين ولا تراب تبين فيه الأقدام فحجبهم الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم بما كان من نسيج العنكبوت وما لحق القائف من الحيرة، وقوله: إلى ههنا انتهت الأقدام. هذا ومعهم الجماعة من قريش