فما لامرىء يهوى ويكتم أمره ... من الحبّ إلّا أن يموت فيعذرا
ثم إنها شهقت فارقت روحها الدنيا رحمة الله تعالى عليها والحكايات في ذلك كثيرة، وفي الكتب مشهورة ولولا الإطالة والخوف من الملالة لجمعنا في هذا المعنى أشياء كثيرة، ولكن اقتصرنا على هذه النبذة اليسيرة والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الباب الثاني والسبعون في ذكر دقائق الشعر والمواليا والدوبيت وكان وكان والموشحات والزجل والحماق والقومة والالغاز ومدح الأسماء والصفات وما أشبه ذلك]
وفيه فصول
[الفصل الأول في الشعر]
قد قسم الناس الشعر خمسة أقسام:
مرقص كقول أبي جعفر طلحة وزير سلطان الأندلس:
والشمس لا تشرب خمر الندى ... في الروض إلا من كؤوس الشقيق
ومطر كقول زهير:
تراه إذا ما جئته متهلّلا ... كأنّك تعطيه الذي أنت سائله
ومقبول كقول طرفة بن العبد:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
ومسموع مما يقام به الوزن دون أن يمجه الطبع كقول ابن المعتز:
سقى المطيرة ذات الظلّ والشجر ... ودير عبدون هطّال من المطر
ومتروك وهو ما كان كلّا على السمع والطبع كقول الشاعر:
تقلقلت بالهمّ الذي قلقل الحشى ... قلاقل همّ كلّهنّ قلاقل «١»
وقد قسم الناس فنون الشعر إلى عشرة أبواب حسبما بوب أبو تمام في الحماسة، وقال عبد العزيز بن أبي الأصبع الذي وقع لي أن فنون الشعر ثمانية عشر فنا وهي:
غزل ووصف وفخر ومدح وهجاء وعتاب واعتذار وأدب وزهد وخمريات ومراث وبشارة وتهاني ووعيد وتحذير وتحريض وملح، وباب مفرد للسؤال والجواب. ولنذكر إن شاء الله تعالى من ذلك ما تيسر على سبيل الاختصار.
ولنبدأ من ذلك بذكر الغزل المذكر (ابن نباتة) :
أأغصان بان ما أرى أم شمائل ... وأقمار تم ما تضمّ الغلائل
وبيض رقاق أم جفون فواتر ... وسمر دقاق أم قدود قواتل
وتلك نبال أم لحاظ رواشق ... لها هدف منّي الحشى والمقاتل
بروحي أفدي شادنا قد ألفته ... غدوت وبي شغل من الوجد شاغل
أمير جمال والملاح جنوده ... يجور علينا قدّه وهو عادل
له حاجب عن مقلتي حجب الك ... رى وناظره الفتّان في القلب عامل «٢»
رفعت إليه قصّة الدمع شاكيا ... فوقّع يجري فهو في الخد سائل
شكوت فما ألوي وقلت فما صغى ... وجدّ بقلبي حبه وهو عازل
طويل التواني دلّه متواتر ... مديد التجنّي وافر الحسن كامل
أطارحه بالنحو يوما تعلّلا ... فيبدو وللإعراب فيه دلائل
ويرفع وصلي وهو مفعول في الهوى ... وينصب هجري عامدا وهو فاعل
تفقهت في عشقي له مثل ما غدا ... خبيرا بأحكام الخلاف يجادل