للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نواهيه، وأن يجعل الموت خير غائب ننتظره وأن يختم لنا بالخير وأن يتغمدنا برحمته إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

[الباب الثاني والثمانون في الصبر والتأسي والتعازي والمراثي ونحو ذلك]

وفيه فصول

[الفصل الأول في الصبر]

قال الله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ١٥٥ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ١٥٦

«١» .

وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يصاب بمصيبة وإن قل عهدها فأحدث استرجاعا إلا أحدث الله له مثله وأعطاه مثل أجره ذلك يوم أصيب بها» .

وعن أنس بن الملك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح حزينا أصبح ساخطا على ربه، ومن أصبح يشكو مصيبة فكأنما يشكو الله، ومن تواضع لغني ليسأله ما في يده أحبط الله ثلثي عمله، ومن أعطي القرآن ولم يعمل به وتهاون به حتى دخل النار، أبعده الله عن رحمته لأنه هو الذي فعل ذلك بنفسه حيث لم يعرف حرمة القرآن» .

وروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من مات له ثلاثة من الولد لا يلج النار إلا تحلة القسم، يعني قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها

«٢» .

وعن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«من أصيب بمصيبة فقال كما أمر الله إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأعقبني خيرا منها، إلا فعل الله به ذلك» .

وروي أنه لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذرفت عيناه، فقال له عبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله ألم تنه عن البكاء؟ قال: إنما نهيت عن الغناء والصوتين الأحمقين والندب، ولكن هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوبنا، ومن لا يرحم لا يرحم، فإن القلب يخشع والعين تدمع، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي الله ربنا إنّا لله وإنا إليه راجعون.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أول شيء كتبه الله في اللوح المحفوظ إنني أنا لا إله إلا أنا محمد عبدي ورسولي، من استسلم لقضائي وصبر على بلائي وشكر نعمائي كتبته صديقا وبعثته مع الصديقين، ومن لم يستسلم لقضائي ولم يصبر على بلائي ولم يشكر نعمائي فليتخذ ربا سواي.

وقال ابن المبارك: إن المصيبة واحدة، فإذا جزع صاحبها فهما اثنتان لأن إحداهما المصيبة بعينها والثانية ذهاب أجره وهو أعظم من المصيبة.

وعن العلاء بن عبد الرحمن أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة بكت فاطمة فقال: لا تبكي يا بنتاه قولي إذا مت إنا لله وإنا إليه راجعون، فإن لكل إنسان مصيبة معوضة.

قالت: ومنك يا رسول الله؟ قال: ومني.

عن عطاء بن أبي رباح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصابته مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب» . وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال:

من أخذت حبيبتاه يعني عينيه فصبر واحتسب أدخله الله الجنة.

وقيل: إن امرأة أيوب عليه الصلاة والسلام قالت: لو دعوت الله تعالى أن يشفيك، فقال لها: ويحك كنا في النعماء سبعين عاما، أفلا نصبر على الضراء مثلها، فلم يلبث إلا يسيرا أن عوفي.

وقيل: الصبر مفتاح الظفر، والتوكل على الله تعالى رسول النجاح. وقيل: من لم يلق نوائب الدهر بالصبر طال عتبه عليه. وقيل: إن معاوية رضي الله تعالى عنه خرج يوما ومعه عبد العزيز بن زرارة الكلبي وكان ذا منصب وشرف وعقل وأدب، فقال له معاوية: يا عبد العزيز أتاني نعي سيد شباب العرب، فقال له: ابني أو ابنك قال: لا. ابنك، قال: للموت تلد الوالدة. ومما قيل: اصبر لحكم من لا تجد معولا إلا عليه ولا مفزعا إلا إليه.

وقال سويد السدوسي:

<<  <   >  >>