وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «من صام يوما من رمضان خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فإذا انسلخ عنه الشهر وهو حي لم يكتب عليه خطيئة حتى الحول، ومن عطش نفسه لله في يوم شديد الحر من أيام الدنيا كان حقا على الله أن يرويه يوم القيامة» .
وقال بعضهم: الصيام زكاة البدن ومن صام الدهر فقد وهب نفسه لله تعالى» .
وروي في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر» .
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر» وهي الأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر.
وفي صحيح البخاري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» .
وفضل الصوم غزير لأنه خصه الله تعالى بالإضافة إليه كما ثبت في الصحيح من الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مخبرا عن ربه عز وجل: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» . وقد يكتفى في فضله بهذا الحديث الجليل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
[الفصل الخامس في الحج وفضله]
قال الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا
«١» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج من بيته حاجا أو معتمرا فمات. أجرى الله له أجر الحاج والمعتمر إلى يوم القيامة» . وقال صلى الله عليه وسلم: «من استطاع الحج ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا» .
وفي الحديث: «إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا الوقوف بعرفة» . وفيه: أعظم الناس ذنوبا من وقف بعرفة فظن أن الله لم يغفر له وهو أفضل يوم في الدنيا» . وفي الخبر: إن الحجر الأسود ياقوتة من يواقيت الجنة، وأنه يبعثه الله يوم القيامة وله عينان ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق وصدق.
وجاء في الحديث الصحيح: أن آدم عليه الصلاة والسلام لما قضى مناسكه لقيته الملائكة. فقالوا: يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام.
وقال مجاهد: إن الحجّاج إذا قدموا مكة لحقتهم الملائكة فسلموا على ركبان الإبل، وصافحوا ركبان الحمر، واعتنقوا المشاة اعتناقا. وكان من سنة السلف رضي الله عنهم أن يشيعوا الغزاة، ويستقبلوا الحجاج ويقبلوهم بين أعينهم، ويسألوهم الدعاء لهم، ويبادروا ذلك قبل أن يتدنسوا بالآثام.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن الله قد وعد هذا البيت أن يحجه كل سنة ستمائة ألف، فإن نقصوا كملهم الله تعالى من الملائكة، وإن الكعبة تحشر كالعروس المزفوفة فكل من حجها يتعلق بأستارها ويسعى حولها حتى تدخل الجنة فيدخل معها.
وحكي أن جميلة الموصلية بنت ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان حجت سنة ست وثمانين وثلاثمائة فصارت تاريخا مذكورا. قيل إنها سقت أهل الموسم كلهم السويق بالطبرزد والثلج، واستصحبت البقول المرزوعة في المراكن على الجمال، وأعدت خمسمائة راحلة للمنقطعين، ونثرت على الكعبة عشرة آلاف دينار، ولم تستصبح فيها وعندها إلا بشموع العنبر، وأعتقت ثلاثمائة عبد ومائتي جارية، وأغنت الفقراء والمجاورين.
ولما بنى آدم عليه الصلاة والسلام البيت وقال: يا رب إن لكل عامل أجرا، فما أجر عملي؟ قال: إذا طفت به غفرت لك ذنوبك. قال: زدني. قال: جعلته قبلة لك ولأولادك، قال: يا رب زدني. قال: أغفر لكل من استغفرني من الطائفين به من أهل التوحيد من أولادك.
قال: يا رب حسبي.
وفي الحديث: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» .
وقيل للحسن: ما الحج المبرور؟ قال: أن ترجع زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة.
وأول من كسا الكعبة الديباج عبد الله بن الزبير، وكانت كسوتها المسوح والأنطاع «٢» وكان يطيبها حتى يوجد ريحها من خارج الحرم. وكان حكيم بن حزام يقيم عشية