للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا عمير، فقال: أخذت الإبل من أهل الإبل، والجزية من أهل الذمة عن يد وهم صاغرون ثم قسمتها بين الفقراء والمساكين وأبناء السبيل، فو الله يا أمير المؤمنين لو بقي عندي منها شيء لأتيتك به.

فقال عمر: عد إلى عملك يا عمير، قال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تردني إلى أهلي، فأذن له فأتى أهله، فبعث عمر رجلا يقال له حبيب بمائة دينار وقال له: اختبر لي عميرا وأنزل عليه ثلاثة أيام حتى ترى حاله هل هو في سعة أم ضيق، فإن كان في ضيق فادفع إليه المائة دينار، فأتاه حبيب، فنزل به ثلاثا، فلم ير له عيشا إلا الشعير والزيت، فلما مضت ثلاثة أيام قال: يا حبيب، إن رأيت أن تتحول إلى جيراننا فلعلهم أن يكونوا أوسع عيشا منا، فإننا والله وتالله لو كان عندنا غير هذا لآثرناك به.

قال: فدفع إليه المائة دينار، وقال: قد بعث بها أمير المؤمنين إليك، فدعا بفرو خلق لامرأته، فجعل يصر منها الخمسة دنانير والستة والسبعة، ويبعث بها إلى إخوانه من الفقراء إلى أن أنفذها، فقدم حبيب على عمر، وقال:

جئتك يا أمير المؤمنين من عند أزهد الناس وما عنده من الدنيا قليل ولا كثير، فأمر له عمر بوسقين «١» من طعام وثوبين، فقال يا أمير المؤمنين أما الثوبان فأقبلهما، وأما الوسقان فلا حاجة لي بهما عند أهلي صاع من بر هو كافيهم حتى أرجع إليهم.

وروي أن عمر رضي الله عنه صرّ أربعمائة دينار وقال للغلام: إذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تربص عنده في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع بها، فذهب بها الغلام إليه، وقال له: يقول لك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب اجعل هذه في بعض حوائجك قال: وصله الله ورحمه، ثم دعا بجاريته وقال لها: اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها، فرجع الغلام إلى عمر وأخبره فوجده قد عد مثلها لمعاذ بن جبل، فقال له: انطلق بها إلى معاذ بن جبل، وانظر ما يكون من أمره، فمضى إليه وقال له كما قال لأبي عبيدة بن الجراح ففعل معاذ كما فعل أبو عبيدة، فرجع الغلام فأخبر عمر، فقال:

إنهم إخوة، بعضهم من بعض رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

[الفصل الثاني في أحكام أهل الذمة]

روي عن عبد الرحمن بن غنم قال: كتبنا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى أهل الشام.

بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من نصارى مدينة كذا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدائننا ولا فيما حواليها كنيسة ولا ديرا ولا قلية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب منها ولا ما كان مختطا منها في خطط المسلمين في ليل ولا في نهار، وإن نوسع أبوابها للمار وابن السبيل وأن ننزل من مر بنا من المسلمين ثلاث ليال نطعمهم، ولا نؤوي في كنائسنا ولا في منازلنا جاسوسا ولا نكتمه عن المسلمين، ولا نعلم أولادنا القرآن ولا نظهر شرعنا ولا ندعو إليه أحدا ولا نمنع أحدا من ذوي قراباتنا الدخول في دين الإسلام إن أراده، وأن نوقر المسلمين ونقوم لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس وأن لا نتشبه بالمسلمين في شيء من ملابسهم من قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا نتكلم بكلامهم ولا نتكنى بكناهم ولا نركب في السروج ولا نتقلد بالسيوف ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله معنا ولا ننقش على خواتمنا بالعربية ولا نبيع الخمر وأن تجز مقادم رؤوسنا ونلزم زيّنا حيثما كنا، وأن نشد الزنار على أوساطنا ولا نظهر صلباننا ولا كتبنا في شيء من أسواق المسلمين وطرقهم، ولا نضرب بالنواقيس في كنائسنا إلا ضربا خفيفا ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران في شيء من طرق المسلمين، ولا أسواقهم، ولا نجاورهم بموتانا ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين، ولا نتطلع على منازلهم، وقد شرطنا ذلك على أنفسنا وعلى أهل ملتنا وقبلنا عليه الأمان، فإن نحن خالفنا في شيء مما شرطناه لكم، وضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل بنا ما يحل بأهل المعاندة والشقاق.

فكتب إليه عمر رضي الله عنه أن امض ما سألوه والحق فيه حرفين واشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم، أن لا يشتروا شيئا من سبايا المسلمين ومن ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده.

وروي أن بني ثعلبة دخلوا على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقالوا يا أمير المؤمنين إنا قوم من العرب افرض لنا.

<<  <   >  >>