فإنك عند سماع القبيح ... شريك لقائله فانتبه
وكم أزعج الحرص من طالب ... فوافى المنيّة في مطلبه
[الفصل الثالث في تحريم السعاية بالنميمة]
قال الله تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ١٠ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ١١
«١» الآية. وحسبك بالنمام خسة ورذيلة، سقوطه وضعته والهماز المغتاب الذي يأكل لحوم الناس، الطاعن فيهم.
وقال الحسن البصري، هو الذي يغمز بأخيه في المجلس وهو الهمزة اللمزة. وقال علي والحسن البصري رضي الله عنهما: العتل الفاحش السيىء الخلق، قال ابن عباس رضي الله عنهما: العتل: الفاتك الشديد المنافق، وقال عبيد بن عمير: العتل: الأكول الشروب القوي الشديد، يوضع في الميزان فلا يزن شعيرة. وقال الكلبي:
هو الشديد في كفره. وقيل: العتل: الشديد الخصومة بالباطل، والزنيم هو الذي لا يعرف من أبوه. قال الشاعر:
زنيم ليس يعرف من أبوه ... بغيّ الأم ذو حسب لئيم
وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة نمام» .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه من بوله» .
قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمة الله تعالى عليه:
«النميمة إنما تطلق في الغالب على من ينم قول الغير إلى المقول فيه كقوله فلان يقول فيك كذا، فينبغي للإنسان أن يسكت عن كل ما رآه من أحوال الناس إلا ما في حكايته فائدة لمسلم أو دفع معصية، وينبغي لمن حملت إليه النميمة وقيل له قال فيك فلان كذا أن لا يصدق من نم إليه لأن النمام فاسق، وهو مردود الخبر، وأن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح فعله ويبغضه في الله تعالى، فإنه بغيض عند الله والبغض في الله واجب، وأن لا يظن بالمنقول عنه السوء، لقول الله تعالى: اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ
الظَّنِّ إِثْمٌ
«٢» . وسعى رجل إلى بلال بن أبي بردة برجل وكان أمير البصرة، فقال له انصرف حتى أكشف عنك، فكشف عنه فإذا هو ابن بغي يعني ولد زنا. قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: «لا ينم على الناس إلا ولد بغي» .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بشراركم، قالوا:
بلى يا رسول الله، قال: شراركم المشاءون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة والباغون العيوب» .
وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«ملعون ذو الوجهين ملعون ذو اللسانين ملعون كل شغاز، ملعون كل قتات، ملعون كل نمام، ملعون كل منان» .
والشغاز المحرش بين الناس يلقي بينهم العداوة، والقتات: النمام، والمنان: الذي يعمل الخير ويمن به.
وأما السعاية إلى السلطان وإلى كل ذي قدرة فهي المهلكة والحالقة التي تجمع الخصال الذميمة، من الغيبة وشؤم النميمة والتغرير بالنفوس والأموال في النوازل والأحوال، وتسلب العزيز عزه وتحط المسكين عن مكانته والسيد عن مرتبته، فكم دم أراقه سعي ساع، وكم حريم استبيح بنميمة نمام، وكم من صفيين تباعدا وكم من متواصلين تقاطعا، وكم من محبين افترقا، وكم من إلفين تهاجرا وكم من زوجين تطالقا. ليتق الله ربه عز وجل، رجل ساعدته الأيام وتراخت عنه الأقدار أن يصغي لساع أو يستمع لنمام.
ووجد في حكم القدماء أبغض الناس إلى الله المثلث.
قال الأصمعي: «هو الرجل يسعى بأخيه إلى الأمام فيهلك نفسه وأخاه وإمامه» .
وقال بعض الحكماء: «احذروا أعداء العقول ولصوص المودات وهم السعاة والنمامون، إذا سرق اللصوص المتاع سرقوا هم المودات.
وفي المثل السائر «من أطاع الواشي ضيّع الصديق» ، وقد تقطع الشجرة فتنبت، ويقطع اللحم السيف فيندمل، واللسان لا يندمل جرحه. ودفع إنسان رقعة إلى الصاحب بن عباد يحثه فيها على أخذ مال يتيم وكان مالا كثيرا، فكتب إليه على ظهرها: النميمة قبيحة وإن كانت صحيحة، والميت رحمه الله واليتيم جبره الله والساعي لعنه الله ولا حول ولا قوة إلا بالله» .
وروينا في كتاب أبي داود والترمذي عن ابن مسعود