وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم يعرف المؤمن؟ قال: بوقاره ولين كلامه، وصدق حديثه. وقيل: لكل شيء حلية وحلية النطق الصدق.
وقال محمود الوراق:
الصدق منجاة لأربابه ... وقربة تدني من الرب
وقيل: الصدق عمود الدين، وركن الأدب، وأصل المروءة، فلا تتم هذه الثلاثة إلا به. وقال أرسطاطاليس:
أحسن الكلام ما صدق فيه قائله، وانتفع به سامعه.
وقال المهلب بن أبي صفرة: ما السيف الصارم في يد الشجاع بأعزّ له من الصدق. وكان يقال على الصدوق:
فلان وقف لسانه على الصدق. ويقال: الصدق محمود من كل أحد إلا من الساعي. ويقال: لو صدق عبد فيما بينه وبين الله تعالى حقيقة الصدق لاطلع على خزائن الغيب، ولكان أمينا في السماوات والأرض.
وقيل: من لزم الصدق وعوّد لسانه به وفق. ويقال:
الصدق بالحر أحرى. وقال عتبة بن أبي سفيان: إذا اجتمع في قلبك أمران لا تدري أيهما أصوب، فانظر أيهما أقرب إلى هواك، فخالفه، فإن الصواب أقرب إلى مخالفة الهوى. وقال أرسطاطاليس: الموت مع الصدق خير من الحياة مع الكذب. وكان نقش خاتم ذي يزن، «وضع الخد للحق عز» .
وامتدح ابن ميادة جعفر بن سليمان، فأمر له بمائة ناقة، فقبل يده، وقال: والله ما قبلت يد قرشي غيرك إلا واحد، فقال: أهو المنصور؟ قال: لا والله، قال: فمن هو؟ قال:
الوليد بن يزيد. قال: فغضب، وقال: والله ما قبلتها لله تعالى، فقال: والله ولا يدك ما قبلتها لله تعالى، ولكن قبلتها لنفسي، فقال: والله لا ضرك الصدق عندي أعطوه مائة أخرى.
وقال عامر العدواني في وصيته: إني وجدت صدق الحديث طرفا من الغيب فاصدقوا، يعني من لزم الصدق وعوّد لسانه وفق، فلا يكاد ينطق بشيء يظنه إلا جاء على ظنه.
وخطب بلال لأخيه امرأة قرشية، فقال لأهلها: نحن من قد عرفتم، كنا عبدين، فأعتقنا الله تعالى، وكنا ضالين، فهدانا الله تعالى، وكنا فقيرين، فأغنانا الله تعالى، وأنا أخطب إليكم فلانة لأخي، فإن تنكحوها له فالحمد لله تعالى، وإن تردونا، فالله أكبر. فأقبل بعضهم على بعض، فقالوا: بلال ممن عرفتم سابقته، ومشاهده ومكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجوا أخاه، فزوجوه، فلما انصرفوا قال له أخوه: يغفر الله لك أما كنت تذكر سوابقنا ومشاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتترك ما عدا ذلك، فقال: مه يا أخي صدقت فأنكحك الصدق.
وخطب الحجّاج فأطال، فقام رجل، فقال: الصلاة، فإن الوقت لا ينتظرك والرب لا يعذرك، فأمر بحبسه، فأتاه قومه زعموا أنه مجنون وسألوه أن يخلي سبيله، فقال: إن أقر بالجنون خلّيته «١» ، فقيل له، فقال: معاذ الله لا أزعم أن الله ابتلاني وقد عافاني. فبلغ ذلك الحجاج، فعفا عنه لصدقه.
[الفصل الثاني من هذا الباب في الكذب وما جاء به]
قال الله تعالى في الكاذبين: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ
«٢» وقال تعالى: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ
«٣» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وتحروا الصدق فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة» .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كذب العبد كذبة تباعد الملكان عنه مسيرة ميل من نتن ما جاء به» . ويقال: راوي الكذب أحد الكذابين. ويقال: رأس المآثم الكذب وعمود الكذب البهتان «٤» . وقيل: أمران لا ينفكان من الكذب، كثرة المواعيد، وشدة الاعتذار.
وقال الحسن في قوله تعالى: وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ
«٥» . وهي لكل واصف كذب إلى يوم القيامة.
وقال الأصمعي: قلت لكذاب أصدقت قط؟ قال: لولا أني أخاف أصدق في هذا لقلت لك لا، فتعجب.
وقال محمود بن أبي الجنود:
لي حيلة فيمن ينمّ ... وليس في الكذّاب حيلة