وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي له بجنازة لم يسأل عن شيء من عمل الرجل، ويسأل عن دينه فإن قيل عليه دين كف عن الصلاة عليه، وإن قيل ليس عليه دين صلّى عليه، فأتي بجنازة، فلما قام ليكبر صلى الله عليه وسلم قال: هل على صاحبكم من دين؟ فقالوا: ديناران يا رسول الله، فعدل النبي صلى الله عليه وسلم عنه وقال: صلوا على صاحبكم، فقال علي كرم الله وجهه:
هما عليّ يا رسول الله وهو بريء منهما، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّى عليه، ثم قال لعلي رضي الله عنه:
جزاك الله عنه خيرا، فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك، إنه ليس من ميت يموت وعليه دين إلا وهو مرتهن بدينه، ومن فك رهان ميت فك الله رهانه يوم القيامة.
وقال بعض الحكماء: الدين هم بالليل وذل بالنهار، وهو غل «١» جعله الله في أرضه، فإذا أراد الله أن يذل عبدا جعله طوقا في عنقه.
وجاء سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يتقاضى دينا له على رجل، فقالوا: خرج إلى الغزو، فقال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو أن رجلا قتل في سبيل الله، ثم أحيي، ثم قتل لم يدخل الجنة حتى يقضي دينه.
وعن الزهري قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على أحد عليه دين، ثم قال بعد: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم من مات وعليه دين فعليّ قضاؤه» ثم صلى عليهم.
وعن جابر: لا همّ إلا هم الدين ولا وجع إلا وجع العين. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
من تزوج امرأة بصداق ينوي أن لا يؤديه إليها، فهو زان، ومن استدان دينا ينوي أن لا يقضيه فهو سارق، وقال حبيب بن ثابت: ما احتجت إلى شيء أستقرضه إلا استقرضته من نفسي، أراد أنه يصبر إلى أن تمكن الميسرة، ونظيره قول القائل:
وإذا غلا شيء عليّ تركته ... فيكون أرخص ما يكون إذا غلا
وقال بعضهم أيضا:
لقد كان القريض سمير قلبي ... فألهتني القروض عن القريض
وقال غيلان بن مرة التميمي:
وإني لأقضي الدّين بالدين بعدما ... يرى طالبي بالدين أن لست قاضيا
فأجابه ثعلبة بن عمير:
إذا ما قضيت الدين بالدين لم يكن ... قضاء ولكن ذاك غرم على غرم
واستقرض من الأصمعي خليل له فقال: حبا وكرامة، ولكن سكّن قلبي برهن يساوي ضعف ما تطلبه، فقال: يا أبا سعيد أما تثق بي؟ قال: بلى، وإن خليل الله كان واثقا بربه، وقد قال له: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
«٢» ، اللهم أوف عنّا دين الدنيا بالميسرة، ودين الآخرة بالمغفرة، برحمتك يا أرحم الراحمين.
الفصل الثالث في ذكر القصّاص والمتصوفة وما جاء في الرياء ونحو ذلك
أما ما جاء في ذكر القصاص والمتصوفة:
فقد روي عن خباب بن الأرت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني إسرائيل لما قصّوا هلكوا. وروي أن كعبا كان يقص، فلما سمع الحديث ترك القصص.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: لم يقص أحد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وإنما كان القصص حين كانت الفتنة.
وقال ابن المبارك: سألت الثوري، من الناس؟ قال العلماء، قلت: فمن الأشراف؟ قال: المتقون، قلت:
فمن الملوك؟ قال: الزهاد، قلت: فمن الغوغاء؟ قال:
القصّاص الذين يستأصلون أموال الناس بالكلام، قلت:
فمن السفهاء؟ قال: الظلمة. قيل: وهب رجل لقاص خاتما بلا فص، فقال وهب الله لك في الجنة غرفة بلا سقف. وقال قيس بن جبير النهشلي، الصعقة التي عند القصاص من الشيطان. وقيل لعائشة رضي الله عنها: إن أقواما إذا سمعوا القرآن صعقوا، فقالت: القرآن أكرم وأعظم من أن تذهب منه عقول الرجال. وسئل ابن سيرين عن أقوام يصعقون عند سماع القرآن، فقال: ميعاد ما بيننا وبينهم أن يجلسوا على حائط، فيقرأ عليهم القرآن من أوله إلى آخره فإن صعقوا، فهو كما قالوا. وكان بمرو قاص يبكي بمواعظه، فإذا طال مجلسه بالبكاء أخرج من كمه طنبورا صغيرا فيحركه ويقول: مع هذا الغم الطويل يحتاج إلى فرح ساعة.
وقال بعضهم: قلت لصوفي بعني جبتك، فقال: إذا باع