عشرة أبطن قالوا: حمى ظهره فلا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى.
وقال تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
«١» ، فالخمر ما خامر العقل، ومنه سميت الخمر خمرا، والميسر القمار، والأنصاب حجارة كانت لهم يعبدونها وهي الأوثان واحدها نصب، والأزلام سهام كانت لهم مكتوب على بعضها أمرني ربي وعلى بعضها نهاني ربي، فإذا أراد الرجل سفرا أو أمرا يهتم به ضرب بتلك القداح فإذا خرج الأمر مضى لحاجته وإذا خرج النهي لم يمض. ومن أوابدهم وأد البنات أي دفنهن أحياء، كانوا في الجاهلية إذا رزق أحدهم أنثى وأدها وإذا بشر بها ضاق صدره وكظم وجهه وهو قوله تعالى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ٥٨
«٢» . وقال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ
«٣» . وقد قيل: إنهم كانوا يقتلونهن خوف العار. وبمكة جبل يقال له: أبو دلامة كانت قريش تئد فيه البنات. وقيل: إن صعصعة جد الفرزدق كان يشتري البنات ويفديهن من القتل كل بنت بناقتين عشراوين وجمل. وفاخر الفرزدق رجلا عند بعض خلفاء بني أمية فقال: أنا ابن محي الموتى، فأنكر الرجل ذلك، فقال: إن الله تعالى يقول: وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً
«٤» .
[وأما الرفادة في الحج:]
فكانت خرجا تخرجه قريش في كل موسم من أموالهم إلى قصي، فيصنع به طعاما للحاج، فيأكله من لم يكن له سعة ولا زاد، وذلك أن قصيا فرضه على قريش، فقال لهم حين أمرهم به: يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته وأهل الحرم، وإن الحجاج ضيوف الله، وزوار بيته، وهم أحق الضيف بالكرامة، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج حتى يصدروا عنكم، ففعلوا وكانوا يخرجون ذلك كل عام من أموالهم، فيدفعونه إليهم. وقيل: أول من أقام الرفادة عبد المطلب وهو الذي حفر بئر زمزم وكانت مطمومة، واستخرج منها الغزالين الذهب اللذين عليهما الدر والجوهر وغير ذلك من الحلى وسبعة أسياف وخمسة دروع سوابغ، فضرب من الأسياف باب الكعبة وجعل أحد الغزالين الذهب صفائح الذهب وجعل الآخر في الكعبة.
واعلم وفقني الله وإياك إنه لم يسمع بعجب «٥» أعظم من عجب سعيد بن زرارة وعبد الله بن زياد التميمي وابن سماك الأسدي الذين ضرب بهم المثل. فأما سعيد بن زرارة فقيل: إنه مرت به امرأة فقالت له: يا عبد الله كيف الطريق إلى مكان كذا، فقال لها: يا هنتاه مثلي يكون من عبيد الله؟ وأما عبد الله بن زياد التميمي، فقيل: إنه خطب الناس بالبصرة فأحسن وأوجز، فنودي من نواحي المسجد كثّر الله فينا مثلك، فقال: لقد كلفتم الله شططا. وأما ابن سماك، فإنه أضل راحلته فالتمسها فلم توجد فقال: والله لئن لم يرد راحلتي عليّ لا صليت له أبدا. فوجدت وقد تعلق زمامها ببعض أغصان الشجر، فقيل له: قد رد الله عليك راحلتك فصل. فقال: إنما كانت يميني يمينا قصدا. فانظر رحمك الله إلى هذا العجب كيف ذهب بهم حتى أفضى بهم إلى الكفر وصاروا حديثا مستبشعا ومثلا بين العالمين مستشنعا، نعوذ بالله من الخذلان المؤدي إلى النيران ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
حكي عن الحجاج بن يوسف الثقفي أنه قيل له: كيف وجدت منزلك بالعراق؟ قال: خير منزل إن الله أظفرني بأناس بلغني الأمل فيهم، وأعانني على الانتقام منهم، فكنت أتقرب إليه بدمائهم، فقيل له: من هم؟ فذكر هؤلاء الثلاثة وذكر حديثهم ولا محالة أنها من محاسن الحجاج، وإن قلّت في جنب سيئاته. والله تعالى أعلم.
[ذكر أديان العرب في الجاهلية:]
كانت النصرانية في ربيعة وغسان وبعض قضاعة، وكانت اليهودية في نمير وبني كنانة وبني الحرث بن كعب وكندة، وكانت المجوسية في بني تميم منهم زرارة بن عدي وابنه علي وكان تزوج ابنته ثم ندم، ومنهم الأقرع بن حابس كان مجوسيا. وكانت الزندقة في قريش أخذوها من الجزيرة وكانت بنو حنيفة اتخذوا في الجاهلية صنما من حيس «٦» فعبدوه دهرا طويلا، ثم أدركتهم مجاعة فأكلوه.
وقد قيل: إن أول من غيّر الحنيفية عمرو بن لحي أبو خزاعة، وهو أنه رحل إلى الشام فرأى العماليق يعبدون الأصنام، فأعجبه ذلك، فقال: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدونها؟ قالوا: هذه أصنام نستمطرها فتمطرنا،