للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: واويلاه، وأعظم مصيبتاه، هذا والهاشمي يتقطع ضحكا فقال لهما: يا زانيتان إن لم تعلماني به أنا أعلمكما ثم رفع ثيابه وسلح عليهما وعلى الفراش. فانتبه الهاشمي وقد غشي عليه من شدة الضحك، قال: ويلك ما هذا تسلح على وطائي «١» ؟ فقال الرجل: حياة نفسي أعز عليّ من وطائك. وقيل إنه لما قيل له: ويلك ما هذا؟ قال المضحك هذه الأبيات:

تكنّفني الملاح وأضجروني ... على ما بي بنيّات الزواني

فلما قلّ عن ذاك اصطباري ... قذفت به على وجه الغواني

قال، فانبسط الهاشمي ودفع إليه مالا ومضى إلى سبيله.

قال علي بن الجهم قلت لقينة:

هل تعلمين وراء الحبّ منزلة ... تدني إليك فإنّ الحبّ أقصاني

قالت تأتي من باب الذهب وأنشدت:

إجعل شفيعك منقوشا تقدّمه ... فلم يزل مدنيا من ليس بالدّاني

وكان أشعب يختلف إلى قينة بالمدينة «٢» ، فجلس عندها يوما يطارحها الغناء فلما أراد الخروج قال لها:

ناوليني خاتمك أذكرك به قالت: إنه من ذهب، وأخاف أن تذهب، ولكن خذ هذا العود، فلعلك أن تعود، وناولته عودا من الأرض.

وكان بعض القينات من الجمال والحسن بجانب ثم أصابتها علة فتغير حالها، فكانت تنشد:

ولي كبد مقروحة من يبيعني ... بها كبدا ليست بذات قروح

أباها عليّ الناس لا يشترونها ... ومن يشتري ذا علة بصحيح

وكان المعتصم يحب قينة من حظاياه فاتفق أنه خرج إلى مصر وتركها فذكرها في بعض الطريق، فاشتاق إليها، فغلبه الوجد، فدعا مغنيا له وقال: ويحك قد ذكرت جاريتي فلانة بنت فلانة، فأقلقني الشوق إليها فعسى أن تغنيني شيئا في معنى ما ذكرته لك، فأطرق مليا ثم غناه:

وددت من الشوق المبرّح أنّني ... أعار جناحي طائر فأطير

فما لنعيم ليس فيه بشاشة ... وما لسرور ليس فيه سرور

وإنّ امرأ في بلد نصف قلبه ... ونصف بأخرى غيرها لصبور

والحكايات في معنى ذلك كثيرة ولو أردت بسطها لاحتجت إلى مجلدات، ولكن ما قل وجل خير من كثير يمل، وفيما ذكرته كفاية، والله المسؤول أن يمدني منه باللطف والعناية ونسأله التوفيق والهداية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[الباب الحادي والسبعون في ذكر العشق ومن بلي به والافتخار بالعفاف وأخبار من مات بالعشق وما في معنى ذلك]

وفيه فصول

[الفصل الأول في وصف العشق]

قال الجاحظ: العشق اسم لما فضل عن المحبة كما أن السرف اسم لما جاوز الجود. وقال أعرابي: العشق خفي أن يرى وجلي أن يخفى فهو كامن ككمون النار في الحجر إن قدحته أورى وإن تركته تواري، وقيل: أو العشق النظر وأول الحريق الشرر، وكان العشاق فيما مضى يشق الرجل برقع حبيبته، والمرأة تشق رداء حبيبها. ويقولان إنهما إذا لم يفعلا ذلك عرض البغض بينهما. وقال عبد بني الحسحاس:

وكم قد شققنا من رداء محبّر ... ومن برقع عن طفلة غير عانس

إذا شقّ برد شقّ بالبرد برقع ... من الحبّ حتى كلنّا غير لابس

<<  <   >  >>