وقد عرفني القوم، وأنا قائم بينهم. وإن بطأتم وجدتموني قتيلا بينهم. ثم انغمس فحمل على القوم، فقال بعضهم لبعض: يا بني زبيد علام تدعون صاحبكم، والله ما نظن أنكم تدركونه حيا، فحملوا فانتهوا إليه، وقد صرع عن فرسه «١» ، وقد أخذ برجل فرس رجل من العجم، فأمسكها والفارس يضرب فرسه، فلم تقدر أن تتحرك، فلما رآنا أدركناه رمى الرجل نفسه وخلى فرسه، فركبه عمرو وقال:
أنا أبو ثور كدتم والله تفقدونني. فقالوا: أين فرسك؟
فقال: رمي بنشابة، فغار وشب فصرعني. ويروى أنه حمل يوم القادسية على رستم وهو الذي كان قدمه يزدجرد ملك الفرس يوم القادسية على قتال المسلمين، فاستقبله عمرو وكان رستم على فيل، فضرب عمرو الفيل، فقطع عرقوبه، فسقط رستم وسقط الفيل عليه مع خرج كان فيه أربعون ألف دينار، فقتل رستم وانهزمت العجم. وقتل عمرو بنهاوند في وقعة الفرس بعد أن عمّر حتى ضعف.
وكان من الشعراء المعدودين، وفيه يقول العباس بن مرداس:
إذا مات عمرو قلت للخيل أوطئي ... زبيدا فقد أودى بنجدتها عمرو
ومنهم طلحة الأسدي رضي الله عنه، كان من أكبر الشجعان جاهلية وإسلاما، ثم ارتد وتنبأ، وجمع جمعا عظيما ففل خالد بن الوليد جمعه وكان يتكهن، ثم عاد إلى الإسلام، وشهد حرب القادسية وغيرها من الفتوح.
والمقداد بن الأسود رضي الله عنه كان من أشجع الفرسان شديد البأس قوي الجنان رابط الجأش، وله في الشجعان اسم مشهور ووصف مذكور يعجز الواصف عن وصف صفاته رضي الله عنه وأرضاه.
وسعد بن أبي وقاص الزهري الأنصاري رضي الله عنه كان فارسا بطلا راميا، وهو أول من رمى في سبيل الله بسهم، ولما قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه اعتزل، ولم يشهد الحرب بعده ومات حتف أنفه.
أبو دجانة الأنصاري رضي الله عنه الذي خرج يتبختر بين الصفين، فقال عليه الصلاة والسلام: إنها لمشية يبغضها الله تعالى إلا في هذا الموضع.
والمثنى بن حارثة الشيباني رضي الله عنه هو أول من فتح حرب الفرس. وأبو عبيد بن مسعود الثقفي رضي الله عنه، قاتل القوم يوم قس الناطف في حرب القادسية.
وعمار بن ياسر رضي الله عنه. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحق يدور مع عمّار حيث دار، وأخبر أنه تقتله الفئة الباغية، فقتل بصفين مع علي رضي الله عنه.
هاشم بن عتبة رضي الله عنه من أكابر الشجعان، صاحب راية علي رضي الله عنه بصفين، مالك بن الحارث النخعي الأشتر رضي الله عنه، مات مسموما في شربة من عسل، فقال معاوية: إن لله جنودا منها العسل. القعقاع بن عمرو طاعن الفيل في عشية القادسية رضي الله عنه.
[(الطبقة الثانية) :]
عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنه، قاتل جرجير ملك إفريقية الذي كان يرى أنه أشجع أهل عصره. قال عمر ابن عبد العزيز لابن أبي مليكة: صف لي عبد الله بن الزبير، فقال: والله ما رأيت جلدا قط ركب على لحم ولا لحما على عصب ولا عصبا على عظم مثل جلده، ولحمه وعصبه، ولا رأيت نفسا بين جنبين مثل نفس ركبت بين جنبيه. ولقد قام يوما إلى الصلاة، فمر حجر من حجارة المنجنيق بين لحييه وصدره، فو الله ما خشع له بصره ولا قطع له قراءته، ولا ركع دون الركوع الذي كان يركع. قتله الحجاج بعد أن حوصر بمكة، وأسلمه أصحابه وعشيرته وصلبه الحجاج، ألا إلى الله تصير الأمور.
أبو هاشم محمد بن علي بن أبي طالب، ابن الحنفية رضي الله عنه، كان أبوه يلقيه في الوقائع ويتقي به العظائم، وهو شديد البأس، ثابت الجنان. قيل له يوما:
ما بال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهك يقحمك الحروب «٢» دون الحسن والحسين رضي الله عنهما؟
فقال: لأنهما كانا عينيه وكنت أنا يديه، فكان يتّقي عينيه بيديه. وقيل: إن أباه عليا رضي الله عنه اشترى درعا فاستطالها، فأراد أن يقطع منها، فقال له محمد: يا أبت علّم موضع القطع، فعلم على موضع منها، فقبض محمد بيده اليمنى على ذيلها، وبالأخرى على موضع العلامة، ثم جذبها، فقطعها من الموضع الذي حدّه أبوه. وكان عبد الله بن الزبير مع تقدمه في الشجاعة يحسده على قوته، وإذا حدّث بهذا الحديث غضب. مات حتف أنفه «٣» بشعب رضوى «٤» .