الله عنهم، فاحتضنوه، وقام المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، فأخذه، فأومأ علي رضي الله عنه إلى المغيرة أن صلّ بالناس، فصلى بهم الفجر وأقبلت همدان، فدخلوا على علي، فقالوا يا أمير المؤمنين:
لا تقوم لهم قائمة إن شاء الله تعالى، فقال: لا تفعلوا إنما النفس بالنفس. قال: ثم إن الحسن رضي الله عنه صلى الفجر وصعد المنبر، فأراد الكلام، فخنقته العبرة، ثم نطق، فقال: الحمد لله على ما أحببنا وكرهنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم «وإني أحتسب عند الله عز وجل مصابي بأفضل الآباء رسول الله القائل صلى الله عليه وسلم من أصيب بمصيبة فليتسل بمصيبته فيّ، فإنها أعظم المصائب» ، والله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل على عبده الفرقان، لقد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الأولون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدركه الآخرون. فعند الله نحتسب ما دخل علينا وعلى جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم. فو الله لا أقول اليوم إلا حقا، لقد دخلت مصيبة اليوم على جميع العباد والبلاد، والشجر، والدواب. ولقد قبض في الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم عليهما السلام إلى السماء، وقبض فيها موسى بن عمران، ويوشع بن نون عليهما السلام وأنزل فيها القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه في السرية، ويسير جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فما يرجع حتى يفتح الله عز وجل على يديه. وما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم أراد أن يبتاع بها خادما لأهله، ألا أن أمور الله تعالى تجري على أحوالها، فما أحسنها من الله، وأسوأها من أنفسكم. ألا أن قريشا أعطت أزمّتها «١» شياطينها، فقادتها بأعنتها إلى النار، فمنهم من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أظهره الله تعالى عليه، ومنهم من أسرّ الضغينة حتى وجد على النفاق أعوانا. رفع الكتاب، وجف القلم، وأمور تقضى في كتاب قد خلا. ثم أطرق الحسن، فبكى الناس بكاء شديدا، ثم نزل، فجرد سيفه، ودعا بابن ملجم، فأقبل يخطر «٢» واضعا شعره على أذنيه حتى قام بين يديه، فقال: يا حسن إني ما عاهدت الله تعالى على عهد قط إلا وفيت به. عاهدت الله تعالى على أن أقتل أباك وقد قتلته، فإن تخلني أقتل معاوية، فإن أنا قتلته أضع يدي على يدك، وإن أقتل، فهو الذي تريد.
فقال الحسن رضي الله عنه: أما والله لا سبيل إلى بقائك، ثم قام إليه فضربه بالسيف، فاتقاه ابن ملجم بيد، ثم أسرع بالسيف فيه فقتله.
ومن الأبطال خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي رضي الله عنه. سيف الله وسيف رسوله صلى الله عليه وسلم بطل مذكور، وفارس مشهور في الجاهلية والإسلام. قتل مالك بن نويرة، وقتل مسيلمة الكذاب لعنه الله. وكان الفتح لخالد يوم اليمامة، وهو الذي فتح دمشق، وأكثر بلاد الشام، وله وقائع عظيمة في الروم. أيّد الله بها الإسلام. مات على فراشه، وكان يقول: لقد شهدت كذا وكذا زحفا، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه أثر طعنة أو ضربة أو رمية.
وها أنا أموت على فراشي لا نامت عين الجبان «٣» . وكان ينشد ويرتجز ويقول:
لا ترعبونا بالسيوف المبرقه ... إنّ السّهام بالردى مفرّقه
والحرب دونها العقال مطلقه ... وخالد من دينه على ثقه
رضي الله عنه.
الزبير بن العوام رضي الله عنه حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته بطل شجاع لا يمارى، وشهم لا يحاول. قتله عمرو بن جرموز، إغتاله وهو في الصلاة.
عمرو بن معديكرب الزبيدي فارس من فرسان الجاهلية، وله مواقف مذكورة، ومواطن مشهورة، وأسلم ثم ارتد، ثم عاد إلى الإسلام، وشهد حروب الفرس، وكان له فيها أفعال عظيمة، وأحوال جسيمة، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا رآه قال:
الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمرا. وروي عنه رضي الله عنه أنه سأله يوما، فقال له: يا عمرو أي السلاح أفضل في الحرب؟ قال: فعن أيها تسأل؟ قال: ما تقول في السهام؟
قال: منها ما يخطىء ويصيب. قال: فما تقول في الرمح؟
قال: أخوك وربما خانك. قال: فما تقول في الترس؟
قال: هو الدائر، وعليه تدور الدوائر، قال: فما تقول في السيف؟ قال: ذلك العدة عند الشدة.
وقيل: إنه نزل يوم القادسية على النهر، فقال لأصحابه:
إنني عابر على هذا الجسر قال: فإن أسرعتم مقدار جزر الجزور وجدتموني وسيفي بيدي أقاتل به تلقاء وجهي،