ألا خلّني لشاني ولا أكن ... على الأهل كلّا إن ذا لشديد «١»
تهيّبني ريب المنون ولم أكن ... لأهرب عمّا ليس منه محيد
فلو كنت ذا مال لقرّب مجلسي ... وقيل إذا أخطأت أنت رشيد
فدعني أجول الأرض عمري لعلّه ... يسرّ صديق أو يغاظ حسود
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالدلجة «٢» فإن الأرض تطوى بالليل ولا تطوى بالنهار» . وقال كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن يسافر الرجل في غير رفقة، وقال صلى الله عليه وسلم: «الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب» .
وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا خرج ثلاثة في ركب فليؤمروا أحدهم» .
وقيل: أغار حذيفة بن بدر على هجان النعمان بن المنذر بن ماء السماء وسار في ليلة مسافة ثماني ليال، فضرب به المثل، وقال قيس بن الحطيم:
هممنا بالإقامة ثم سرنا ... مسير حذيفة الخير بن بدر
وسار ذكوان مولى عمر رضي الله تعالى عنه من مكة إلى المدينة في يوم وليلة. وقال المأمون: لا شيء ألذ من السفر في كفاية وعافية، لأنك تحل كل يوم في محلة لم تحل فيها، وتعاشر قوما لم تعرفهم.
[ومما قيل في ترك الإقامة بدار الهوان:]
قال الفرزدق:
وفي الأرض عن دار القلى متحوّل ... وكلّ بلاد أوطنتك بلاد «٣»
وقال آخر:
وما هي إلّا بلدة مثل بلدتي ... خيارهما ما كان عونا على دهر
وقال آخر:
وإذا البلاد تغيّرت عن حالها ... فدع المقام وبادر التحويلا
ليس المقام عليك فرضا واجبا ... في بلدة تدع العزيز ذليلا
وقال الصفي الحلي:
تنقّل فلذّات الهوى في التنقّل ... ورد كلّ صاف لا تقف عند منهل «٤»
ففي الأرض أحباب وفيها منازل ... فلا تبك من ذكرى حبيب ومنزل
ولا تستمع قول امرىء القيس إنّه ... مضلّ ومن ذا يهتدي بمضلّل «٥»
وقال عبد الله الجعدي:
فإن تجف عني أو تزرني إهانة ... أجد عنك في الأرض الفريضة مذهبا
[ومما قيل في الوداع والفراق والشوق والبكاء:]
قال جرير:
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل
وقيل لعمارة بن عقيل بن بلال بن جرير ما كان جدك صانعا في قوله فعلت ما لم أفعل؟ قال: كان يقلع عينيه حتى لا يرى مظعن أحبابه ثم أنشد يقول:
وما وجد مغلول بصنعاء موثق ... بساقيه من ماء الحديد كبول «٦»
قليل الموالي مسلم بجريرة ... له بعد نومات العيون ألبل «٧»
يقول له الحداد أنت معذب ... غداة غد أو مسلم فقتيل
بأكبر منّي لوعة يوم راعني ... فراق حبيب ما إليه سبيل
وقال الشاعر:
وما أم خشف طول يوم وليلة ... ببلقعة بيداء ظمآن صاديا «٨»
تهيم ولا تدري إلى أين تبتغي ... مولهة حزنا تجوز الفيافيا