فقال: كن كزكريا إذ نادى ربه نداء خفيا، وينبغي للداعي أن لا يتكلف وأن يأتي بالكلام المطبوع غير المسجوع، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والسجع في الدعاء بحسب أحدكم.
يقول: أللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل» .
وقيل: ادعوا بلسان الذلة والاحتقار ولا تدعوا بلسان الفصاحة والانطلاق. وكانوا لا يزيدون في الدعاء على سبع كلمات، فما دونها، كما في آخر سورة البقرة. وعن سفيان بن عيينة: لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه، فقد أجاب الله دعاء شر الخلق إبليس، إذ قال:
«رب انظرني إلى يوم يبعثون» وعن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا سأل أحدكم مسألة فتعرف الاجابة، فليقل: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ومن أبطأ عليه من ذلك شيء فليقل: الحمد لله على كل حال. وعن سلمة بن الأكوع قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الدعاء إلا قال:
«سبحان ربي الأعلى الوهاب» . وعن أبي سليمان الداراني: من أراد أن يسأل الله حاجة، فليبدأ بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينبغي للمؤمن أن يجتهد في الدعاء وأن يكون على رجاء من الإجابة، ولا يقنط من رحمة الله لأنه يدعو كريما.
وللدعاء أوقات وأحوال يكون الغالب فيها الإجابة، وذلك وقت السحر ووقت الفطر وما بين الأذان والإقامة، وعند جلسة الخطيب بين الخطبتين إلى أن يسلم من الصلاة، وعند نزول الغيث وعند التقاء الجيش في الجهاد في سبيل الله تعالى، وفي الثلث الأخير من الليل لما جاء في الحديث: «إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه» . وفي حالة السجود لقوله عليه الصلاة والسلام أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء، وما بين الظهر والعصر في يوم الأربعاء وأوقات الاضطرار وحالة السفر والمرض. هذا كله جاءت به الآثار. قال جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الفتح ثلاثة أيام: يوم الاثنين ويوم الثلاثاء، واستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين، فعرفت السرور في وجهه، قال جابر: ما نزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت تلك الساعة فادعو فيها فأعرف الإجابة.
وفي بعض الكتب المنزلة: يا عبدي إذا سألت فاسألني فإني غني وإذا طلبت النصرة فاطلبها مني فإني قوي، وإذا أفشيت سرك فافشه إلي فإني وفي وإذا أقرضت فأقرضني فإني ملي، وإذا دعوت فادعني فإني حفي» . وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له» . وقال وهب بن منبه بلغني أن موسى مر برجل قائم يبكي ويتضرع طويلا، فقال موسى: يا رب أما تستجيب لعبدك؟ فأوحى الله تعالى إليه: «يا موسى لو أنه بكي حتى تلفت نفسه ورفع يديه حتى بلغ عنان السماء ما استجبت له» . قال: يا رب لم ذلك؟ قال: لأن في بطنه الحرام. ومر إبراهيم بن أدهم بسوق البصرة فاجتمع الناس إليه وقالوا: يا أبا إسحاق ما لنا ندعوا فلا يستجاب لنا؟ قال: لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء: الأول أنكم عرفتم الله فلم تؤدوا حقه، الثاني زعمتم أنكم تحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تركتم سنته، الثالث: قرأتم القرآن ولم تعملوا به، الرابع أكلتم نعمة الله ولم تؤدوا شكرها، الخامس قلت إن الشيطان عدوكم ووافقتموه، السادس: قلتم إن الجنة حق فلم تعملوا لها، السابع قلتم إن النار حق ولم تهربوا منها، الثامن: قلتم إن الموت حق فلم تستعدوا له، التاسع: انتبهتم من النوم واشتغلتم بعيوب الناس وتركتم عيوبكم، العاشر: دفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم.
وكان يحيى بن معاذ يقول: من أقر لله باساءته جاد الله عليه بمغفرته، ومن لم يمن على الله بطاعته أوصله إلى جنته، ومن أخلص لله في دعوته منّ الله عليه بإجابته.
وقال علي رضي الله تعالى عنه: ارفعوا أفواج البلايا بالدعاء. وعن أنس رضي الله تعالى عنه (يرفعه) :
«لا تعجزوا عن الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد» .
[الفصل الثاني في الأدعية وما جاء فيها]
كان من دعاء شريح رحمه الله تعالى: اللهم إني أسألك الجنة بلا عمل عملته، وأعوذ بك من النار بلا ذنب تركته.
ودعت أعرابية عند البيت فقالت: إلهي لك أذل وعليك أدل.
وكان من دعاء بعض الصالحين اللهم إن كنا عصيناك فقد تركنا من معاصيك أبغضها إليك وهو الإشراك وإن كنا قصرنا عن بعض طاعتك فقد تمسكنا بأحبها إليك وهو شهادة أن لا إله إلا أنت وإن رسلك جاءت بالحق من عندك.
ومن دعاء سلام بن مطيع: «اللهم إن كنت بلغت أحدا