من عبادك الصالحين درجة ببلاء فبلغنيها بالعافية» . وقيل لفتح الموصلي: ادع الله لنا، فقال: اللهم هبنا عطاءك ولا تكشف عنا غطاءك. وكان من دعاء بعض السلف: اللهم لا تحرمني خير ما عندك لشر ما عندي فإن لم تقبل تعبي ونصبي فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى الناس فنضيع. وقال الحسن:
من دخل المقابر، فقال: اللهم رب الأرواح الفانية والأجساد البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخل عليها روحا من عندك وسلاما مني، كتب الله له بعدد من مات من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة حسنات.
وحكي عن معروف القاضي أن الحجيج كانوا يجتهدونه في الدعاء وفيهم رجل من التركمان ساكت لا يحسن أن يدعو، فخشع قلبه وبكى فقال بلغته: اللهم إنك تعلم أني لا أحسن شيئا من الدعاء، فاسألك ما يطلبون منك بما دعوا، فرأى بعض الصالحين في منامه أن الله قبل حج الناس بدعوة ذلك التركماني لما نظر إلى نفسه بالفقر والفاقة.
وقال الأصمعي: حسدت عبد الملك على كلمة تكلم بها عند الموت، وهي: اللهم إن ذنوبي وإن كثرت وجلت عن الصفة فإنها صغيرة في جنب عفوك فاعف عني.
وركب إبراهيم بن أدهم في سفينة، فهاجت الريح وبكى الناس وأيقنوا بالهلاك، وكان إبراهيم نائما في كساء، فاستوى جالسا وقال: أريتنا قدرتك فأرنا عفوك، فذهب الريح وسكن البحر.
وقال الثوري: كان من دعاء السلف، اللهم زهدنا في الدنيا ووسع علينا فيها ولا تزوها عنا ولا ترغبنا فيها. وكان بعض الأعراب إذا أوى إلى فراشه قال: اللهم إني أكفر بكل ما كفر به محمد وأؤمن بكل ما آمن به، ثم يضع رأسه.
وسمعت بدوية تقول في دعائها: يا صباح يا مناح يا مطعم يا عريض الجفنة يا أبا المكارم، فزجرها رجل، فقالت: دعني أصف ربي وأمجد إلهي بما تستحسنه العرب.
وقال الزمخشري في كتابه «ربيع الأبرار» : سمعت أنا من يدعو من العرب عند الركن اليماني: يا أبا المكارم يا أبيض الوجه، وهذا ونحوه منهم إنما يقصدون به الثناء على الله تعالى بالكرم والنزاهة عن القبيح على طريق الاستعارة، لأنه لا فرق عندهم بين الكريم وأبي المكارم ولا بين الجواد والعريض الجفنة ولا بين المنزه والأبيض الوجه.
وقيل لأعرابي: أتحسن أن تدعو ربك؟ قال: نعم.
قال: اللهم إنك أعطيتنا الإسلام من غير أن نسألك فلا تحرمنا الجنة ونحن نسألك.
وذكر لعبد السلام بن مطيع أن الرجل تصيبه البلوى، فيدعو فتبطىء عنه الإجابة، فقال: بلغني أن الله تعالى يقول: كيف أحرمه من شيء به أرحمه. وقال طاوس:
بينما أنا في الحجر ذات ليلة إذ دخل على علي بن الحسين، فقلت: رجل صالح من أهل بيت الخير لأسمعن دعاءه، فسمعته يقول: عبدك بفنائك مسكينك بفنائك فقيرك بفنائك، فما دعوت بهما في كرب إلا فرج عني.
ودعا أعرابي فقال: اللهم إنا نبات نعمتك. وقال ابن المسيب: سمعت من يدعو بين القبر والمنبر اللهم إني أسألك عملا بارا ورزقا دارا وعيشا قارا، فدعوت به، فما وجدت إلا خيرا. ودعت أعرابية بالموقف، فقالت:
أسألك سترك الذي لا تزيله الرياح ولا تخرقه الرماح.
وقيل: اتقوا مجانيق الضعفاء أي دعواتهم، ودعا أعرابي فقال: اللهم أمح ما في قلبي من كذب وخيانة واجعل مكانه صدقا وأمانة. وصلّى رجل إلى جنب عبد الله بن المبارك وبادر القيام، فجذب ثوبه وقال: أما لك إلى ربك حاجة؟. وقال سفيان الثوري: سمعت أعرابيا يقول: اللهم إن كان رزقي في السماء، فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيدا فقربه، وإن كان قريبا فيسره، وإن كان قليلا فكثره، وإن كان كثيرا فبارك لي فيه.
وقال أبو نواس:
أحببت من شعر بشار وكلمته ... بيتا لهجت به من شعر بشار «١»
يا رحمة الله حلّي في منازلنا ... وجاورينا فدتك النفس من جار
وكان بشار يعني بذلك جارية بصرية كان يحبها ويتغزل بها، ونعني بها هنا رحمة الله التي وسعت كل شيء.
وسمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه رجلا يقول وهو متعلق بأستار الكعبة: يا من لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل ولا يبرمه إلحاح الملحين، أذقني برد عفوك وحلاوة مغفرتك، فقال علي: والذي