للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا ما مات بعضك فابك بعضا ... فإنّ البعض من بعض قريب

وحكي ... أن ربيعة رمدت عينه فأرسل إلى امرأة كان يحبها ثم أنشد يقول:

عينا ربيعة رمداوان فاحتسبي ... بنظرة منك تشفيه من الرّمد

إن تكتحل بك عيناه فلا رمد ... على ربيعة يخشى آخر الأمد

وعن عبد الرحمن بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: داء الأنبياء الفالج واللقوة. قال الجاحظ: ومن المفاليج سيدنا إدريس عليه الصلاة السلام، وأكثر ما يعتري المتوسطين من الناس لأن الشاب كثير الحرارة والشيخ كثير اليبس.

وقيل: إن إبان بن عثمان كان أفلج حتى صار مثلا، فكانت الناس تقول: لا رماك الله بفالج ابن عثمان، وكان معاوية ألوق، وعبد الملك بن مروان أبخر، وحسان أعمى، وابن سيرين أصم، وممن فلج ابن أبي دؤاد قاضي قضاة المعتصم كان من الشرف والكرم بمنزلة عظيمة قد ضرب المثل بفالجه، قال الشاعر في رجل ضرب غلامه:

أتضرب مثله بالسّوط عشرا ... ضربت بفالج ابن أبي دؤاد

وشجة عبد الحميد كانت مثلا في الحسن، وهو عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم، وكان بارعا في الحسن والجمال فزادته حسنا إلى حسنه حتى أن النساء كن يخططن في وجوههن شجة عبد الحميد.

وكان يقال لعمر بن عبد العزيز أشج بني أمية، وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول: إن من ولدي رجلا بوجهه أثر في جبهته، قال أصبغ: الله أكبر هذا أشج بني أمية يملأ الأرض عدلا. وقال أعور لأبي الأسود:

ما الشيء ونصف الشيء ولا شيء فقال: أما الشيء فالبصير كأنا، وأما لا شيء فالأعمى، وأما نصف الشيء فأنت يا أعور. اللهم اكفنا شر العاهات برحمتك ومنك وكرمك آمين.

[الفصل الثالث من هذا الباب في التداوي من الأمراض والطب]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تداووا فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء. وقال صلى الله عليه وسلم: ما أنزل الله داء إلا وله دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء والرقى هل يردان شيئا من قضاء الله تعالى: قال: هما من قدر الله تعالى.

وقال عبد الله بن عكرمة: عجيب لمن يحتمي من الطعام خوف الداء، ولا يحتمي من الذنوب خوف النار.

وقيل: إن الربيع بن خيثم لما مرض قالوا له: ألا ندعوا لك طبيبا، فقال لهم: إن مرضي من الطبيب وإنه متى أراد عافاني، ولا حاجة لي بطبيبكم، وأنشد:

فأصبحت لا أدعو طبيبا لطبه ... ولكنني أدعوك يا منزل القطر

وعاد الفرزدق مريضا فقال:

يا طالب الطب من داء تخوفه ... إنّ الطبيب الذي أبلاك بالداء

فهو الطبيب الذي يرجى لعافية ... لا من يذيب لك الترياق بالماء

قال: ولما مرض بشر الحافي رحمه الله تعالى قالوا:

أندعوا لك طبيبا؟ فقال: إني بعين الطبيب يفعل بي ما يريد، فألح عليه أهله وقالوا: لا بد أن ندفع ماءك إلى الطبيب، فقال لأخته: ادفعي إليهم الماء في قارورة. وكان بالقرب منهم رجل ذمي وكان حاذقا في الطب، فأتوه بمائه في القارورة فلما رآه قال: حرّكوه فحرّكوه ثم قال: ضعوه ثم قال ارفعوه، فقالوا له: ما بهذا وصفت لنا، قال: بم وصفت لكم؟ قالوا: بالحذق والمعرفة، قال: هو كما تقولون غير أن هذا الماء إن كان ماء نصراني فهو راهب.

قد فتتت كبده العبادة، وإن كان مسلما فهو ماء بشر الحافي فإنه أوحد أهل زمانه في السلوك مع الله تعالى، قالوا: هو ماء بشر الحافي. فأسلم النصراني وقطع زناره فلما رجعوا إلى بشر قال لهم: أسلم الطبيب، فقالوا: ومن أعلمك؟

قال: لما خرجتم من عندي هتف لي هاتف وقال: يا بشر ببركة مائك أسلم الطبيب وصار من أهل الجنة.

وفلج الربيع بن خيثم فقيل له: هلا تداويت؟ فقال: قد عرفت أن الدواء حق، ولكن عاد وثمود وقرون بين ذلك كثير، كانت فيهم الأوجاع كثيرة والأطباء أكثر فلم يبق المداوي ولا المداوى وقد أبادهم الموت. ثم قال هذا المفرد:

هلك المداوي والمدواى والذي ... جلب الدواء وباعه والمشتري

وقيل لجالينوس حين نهكته العلة: أما تتعالج؟ فقال:

إذا كان الداء من السماء بطل الدواء من الأرض، وإذا نزل

<<  <   >  >>