تبصّر فلو أن البكا رد هالكا ... على أحد فاكثر بكاك على عمر
وكتب بعضهم إلى أولاد صديقه يعزيهم ويسليهم في والدهم فقال:
فلو كان فيض الدمع ينفع باكيا ... لعلّمت غرب الدمع كيف يسيل
فإن غاب بدر فالنجوم طوالع ... ثوابت لا يقضى لهنّ أفول
يغاث بها في ظلمة الليل حائر ... ويسري عليها بالرفاق دليل
ودخل عبد الملك بن صالح على الرشيد وقد مات له ولد، وولد له في تلك الليلة ولد، فقال سرّك الله يا أمير المؤمنين فيما ساءك ولا ساءك فيما سرك وجمع لك بين أجر الصابر وثواب الشاكر. وقال بعضهم:
أليس لهذا صار آخر أمرنا ... فلا كانت الدنيا القليل سرورها
فلا تعجبي يا نفس مما ترينه ... فكل أمور الناس هذا مصيرها
وسئل الأصمعي عن قول الخنساء في نعيها صخر حين مات ونعته فقالت:
يذكرني طلوع الشمس صخرا ... وأندبه لكلّ غروب شمس
فقالوا له: لماذا أنها خصت الشمس دون القمر والكواكب فقال: لكونه كان يركب عند طلوع الشمس يشن الغارات وعند غروبها يجلس مع الضيفان، فذكرته بهذا مدحا لأنه كان يغير على أعدائه ويتقيد بضيفه، وقد رثته بعد البيت الأول بأبيات منها:
ألا يا نفس لا تنسيه حتى ... أفارق عيشتي وأزور رمسي «١»
ولولا كثرة الباكين حولي ... على أمواتهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن ... أسلّي النفس عنه بالتأسّي «٢»
وقال آخر:
ولولا الأسى ما عشت في الناس ساعة ... ولكن إذا ناديت جاوبني مثلي
وقال آخر:
وهوّن وجدي عن خليلي أنني ... إذا شئت لاقيت الذي أنا صاحبه
وقال آخر:
ومما يؤديني إلى الصبر والعزا ... تردّد فكري في عموم المصائب «٣»
[الفصل الثالث في المراثي]
لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم رثاه جماعة من أصحابه وآله بمراث كثيرة منها ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فإنه كان أقرب الناس إليه، وهو أول من رثاه، فقال:
لما رأيت نبينا متجندلا ... ضاقت علي بعرضهنّ الدّور
فارتاع قلبي عند ذاك لموته ... والعظم منّي ما حييت كسير
أعتيق ويحك إن خلّك قد ثوى ... والصبر عندك ما بقيت يسير «٤»
يا ليتني من قبل مهلك صاحبي ... غيبّت في لحد عليه صخور
فلتحدثن بدائع من بعده ... تعيا بهنّ جوانح وصدور
وقال آخر:
فقدت أرضنا هناك نبيا ... كان يغدو به النبات زكيا
خلقا عاليا ودينا كريما ... وصراطا يهدي الأنام سويا
وسراجا يجلو الظلام منيرا ... ونبيّا مؤيدا عربيا
حازما عازما حليما كريما ... عائدا بالنوال برّا تقيّا