للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمن كان ذا عقل فيعذر ضارطا ... ومن كان ذا جهل ففي وسط لحيته

وكان لسابور ملك فارس نديم مضحك يسمى مرزبان.

فظهر له من الملك جفوة، فلما زاد ذلك عليه تعلم نبيح الكلاب وعوي الذئاب ونهيق الحمير، وصهيل الخيل، وصوت البغال، ثم احتال حتى دخل موضعا بقرب خلوة الملك وأخفى أمره، فلما خلا الملك بنفسه نبح نبيح الكلاب، فلم يشك الملك في أنه كلب، فقال: انظروا ما هذا، فعوى عوى الذئاب، فنزل الملك عن سريره، فنهق نهيق الحمير، فمضى الملك هاربا، ومضت الغلمان يتبعون الصوت، فلما دنوا منه صهل صهيل الخيل، فاقتحموا عليه وأخرجوه عريانا، فلما وصلوا به إلى الملك، ورآه مرزبان ضحك الملك ضحكا شديدا، وقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: إن الله عز وجل مسخني كلبا وذئبا وحمارا وفرسا لما غضب عليّ الملك.

قال: فأمر الملك أن يخلع عليه وأن يرد إلى مرتبته الأولى.

وصلى أعرابي خلف إمام، فقرأ إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ

«١» ثم وقف وجعل يرددها، فقال الأعرابي أرسل غيره يرحمك الله، وأرحنا وأرح نفسك. وصلى آخر خلف إمام، فقرأ: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي

«٢» ووقف وجعل يرددها، فقال الأعرابي: يا فقيه إذا لم يأذن لك أبوك في هذا الليل نظل نحن وقوفا إلى الصباح، ثم تركه وانصرف.

ولزم أعرابي سفيان بن عيينة مدة يسمع منه الحديث، فلما أن جاء ليسافر قال له سفيان: يا أعرابي ما أعجبك من حديثنا؟ قال: ثلاثة أحاديث، حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحب الحلوى والعسل، وحديثه عليه الصلاة والسلام: إذا وضع العشاء وحضرت الصلاة فابدأوا بالعشاء، وحديث عائشة عنه أيضا: ليس من البر الصوم في السفر.

وانفرد الرشيد وعيسى بن جعفر ومعه الفضل بن يحيى، فإذا هو بشيخ من الأعراب على حمار وهو رطب العينين، فقال له الفضل: هل أدلك على دواء لعينيك؟

قال: ما أحوجني إلى ذلك، قال: خذ عيدان الهواء وغبار الماء فصيره في قشر بيض الذر واكتحل به ينفعك، فانحنى الشيخ وضرط ضرطة قوية وقال: خذ هذه في لحيتك أجرة وصفتك، وإن زدت زدناك. فضحك الرشيد حتى استلقى على ظهر دابته.

وخرج معن بن زائدة في جماعة من خواصه للصيد، فاعترضهم قطيع ظباء، فتفرقوا في طلبه، وانفرد معن خلف ظبي حتى انقطع عن أصحابه، فلما ظفر به نزل، فذبحه، فرأى شيخا مقبلا من البرية على حمار. فركب فرسه واستقبله، فسلم عليه فقال: من أين وإلى أين؟ قال:

أتيت من أرض لها عشرون سنة مجدبة، وقد أخصبت في هذه السنة فزرعتها مقثاة، فطرحت في غير وقتها، فجمعت منها ما استحسنته، وقصدت به معن بن زائدة لكرمه المشكور، وفضله المشهور ومعروفه المأثور وإحسانه الموفور، قال: وكم أملت منه؟ قال: ألف دينار.

قال: فإن قال لك كثير، قال: خمسمائة، قال: فإن قال لك كثير. قال: ثلاثمائة. قال: فإن قال لك كثير. قال:

مائة، قال: فإن قال لك كثير. قال: خمسين، قال: فإن قال لك كثير قال، فلا أقل من الثلاثين، قال: فإن قال لك كثير. قال: أدخل قوائم حماري في [قفاه] وأرجع إلى أهلي خائبا. فضحك معن منه، وساق جواده حتى لحق بأصحابه ونزل في منزله، وقال لحاجبه: إذا أتاك شيخ على حمار بقثاء فأدخل به علي، فأتى بعد ساعة، فلما دخل عليه لم يعرفه لهيبته وجلالته، وكثرة حشمه وخدمه وهو متصدر في دسته، والخدم والحفدة قيام عن يمينه وشماله وبين يديه، فلما سلم عليه قال: ما الذي أتى بك يا أخا العرب قال: أملت الأمير، وأتيته بقثاء في غير أوان، فقال: كم أملت فينا؟ قال: ألف دينار. قال: كثير، فقال: والله لقد كان ذلك الرجل ميشوما عليّ، ثم قال خمسمائة دينار، قال: كثير فما زال إلى أن قال خمسين دينار، فقال له كثير، فقال: لا أقل من الثلاثين، فضحك معن، فعلم الأعرابي أنه صاحبه، فقال: يا سيدي إن لم تجب إلى الثلاثين فالحمار مربوط بالباب. وها معن جالس، فضحك معن حتى استلقى على فراشه، ثم دعا بوكيله، فقال: أعطه ألف دينار وخمسمائة دينار وثلاثمائة دينار ومائة دينار وخمسين دينارا وثلاثين دينارا، ودع الحمار مكانه، فتسلم الأعرابي المال وانصرف.

[الفصل الثاني في نوادر القراء والفقهاء]

عن محمد بن عبد الله قال: كنا في دهليز عثمان بن شيبة، فخرج إلينا فقال: ن والقلم في أي سورة.

<<  <   >  >>