ولم يزل في آل سعيد حتى اشتراه خالد بن عبد الله القسري بمال جزيل لهشام، وكان قد كتب إليه فيه، فلم يزل عند بني مروان، ثم طلبه السفاح والمنصور والمهدي، فلم يجدوه، فجد الهادي في طلبه حتى ظفر به، وكان مكتوبا عليه هذا البيت:
ذكر على ذكر يصول بصارم ... ذكر يمان في يمين يماني
وقال ابن الرومي:
لم أر شيئا حاضرا نفعه ... للمرء كالدرهم والسيف «١»
يقضي له الدرهم حاجاته ... والسيف يحميه من الحيف «٢»
وقال زيد بن علي رضي الله عنهما:
السيف يعرف عزمي عند هزّته ... والرمح بي خبر والله لي وزر «٣»
إنّا لنأمل ما كانت أوائلنا ... من قبل تأمله إن ساعد القدر
وقال عبد الله بن طاهر:
يبيت ضجيعي السيف طورا وتارة ... يعض بهامات الرجال مضاربه
أخو ثقة أرضاه في الروع صاحبا ... وفوق رضاه إنني أنا صاحبه
وليس أخو العلياء إلا فتى له ... بها كلف ما تستقر ركائبه
وقدم عروة بن الزبير على عبد الملك بن مروان بعد قتل أخيه عبد الله، فطلب منه سيف الزبير، وقال له: رده عليّ، فإنه السيف الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم له يوم حنين، فقال له عبد الملك: أو تعرفه؟ قال: نعم. قال:
بماذا؟ قال: أعرفه بما لا تعرف به سيف أبيك «٤» . أعرفه بقول الشاعر:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهنّ فلول من قراع الكتائب «٥»
وقال الأجدع الهمداني:
لقد علمت نسوان همدان أنّني ... لهنّ غداة الروع غير خذول
وأبذل في الهيجاء وجهي وإنّني ... له في سوى الهيجاء غير بذول
وقال آخر:
عشرون ألف فتى ما منهم أحد ... إلّا كألف فتى مقدامة بطل
راحت مزاودهم مملوءة أملا ... ففرّغوها وأوكوها من الأجل «٦»
[ومن أخبار الشجعان ما حكاه الفضل بن يزيد:]
قال: نزل علينا بنو ثعلب في بعض السنين، وكنت مشغوفا بأخبار العرب أن أسمعها وأجمعها، فبينما أنا أدور في بعض أحيائهم إذا أنا بامرأة واقفة في فناء خبائها، وهي آخذة بيد غلام قلّما رأيت مثله في حسنه وجماله، له ذؤابتان كالسبج «٧» المنظوم، وهي تعاتبه بلسان رطب وكلام عذب تحن إليه الأسماع وترتاح له القلوب، وأكثر ما أسمع منها أي بني، وهو يبتسم في وجهها قد غلب عليه الحياء والخجل، كأنه جارية بكر لا يرد جوابا.
فاستحسنت ما رأيت، واستحليت ما سمعت، فدنوت منه وسلمت، فرد عليّ السلام، فوقفت أنظر إليها.
فقالت: يا حضري ما حاجتك؟ فقلت: الاستكثار مما أسمع والاستمتاع بما أرى من هذا الغلام.
فقالت يا حضري: إن شئت سقت إليك من خبره ما هو أحسن من منظره. فقلت: قد شئت يرحمك الله. فقالت:
حملته والرزق عسر، والعيش نكد حملا خفيفا حتى مضت له تسعة أشهر، وشاء الله عز وجل أن أضعه، فوضعته خلقا سويا، فوربك ما هو إلا أن صار ثالث أبويه حتى أفضل الله عز وجل، وأعطى وأتى من الرزق بما كفى وأغنى، ثم أرضعته حولين كاملين، فلما استتم الرضاع نقلته من خرق المهد إلى فراش أبيه، فربي كأنه شبل أسد أقيه برد الشتاء، وحر الهجير، حتى إذا مضت له خمس