رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر وأنا ولدت قبله.
وقال معاوية لسعيد بن مرة الكندي: أأنت سعيد؟ قال:
أمير المؤمنين السعيد وأنا ابن مرة، وقال المأمون للسيد بن أنس: أأنت السيد؟ قال: أمير المؤمنين السيد وأنا ابن أنس.
قال الحجاج للمهلب وهو يماشيه: أأنا أطول أم أنت؟
قال: الأمير أطول، وأنا أبسط قامة، أراد الطول وهو الفضل.
والأجوبة بهذا المعنى كثيرة لو تتبعتها لعجزت عنها ولكني اقتصرت على هذا وأوجزت، وفيما ذكرته من ذلك كفاية وأسأل الله تعالى العون والعناية.
[الباب التاسع في ذكر الخطب والخطباء والشعر والشعراء وسرقاتهم وكبوات الجياد وهفوات الأمجاد]
قيل: خطب المأمون فقال: اتقوا الله عباد الله وأنتم في مهل، بادروا الأجل ولا يغرّنكم الأمل، فكأني بالموت قد نزل، فشغلت المرء شواغله، وتولت عنه فواصله، وهيئت أكفانه، وبكاه جيرانه، وصار إلى التراب الخالي بجسده البالي، فهو في التراب عفير، وإلى ما قدم فقير.
وقال الشعبي: ما سمعت أحدا يخطب إلا تمنيت أن يسكت مخافة أن يخطىء ما خلا زيادا فإنه لا يزداد إكثارا إلا ازداد إحسانا.
وخطب علي رضي الله عنه فقال في خطبته: عباد الله الموت الموت ليس منه فوت، إن أقمتم أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم، الموت معقود بنواصيكم، فالنجا النجا والوحا الوحا، فإن وراءكم طالبا حثيثا وهو القبر، ألا وإن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، ألا وإنه يتكلم في كل يوم ثلاث كلمات فيقول: أنا بيت الظلمة، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الديدان ألا وإن وراء ذلك اليوم يوما أشد منه يوما يشيب فيه الصغير، ويسكر فيه الكبير تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
«١» . ألا وإن وراء ذلك اليوم يوما أشد منه؛ فيه نار تتسعر، حرّها شديد وقعرها بعيد، وحليها حديد، وماؤها صديد، ليس لله فيها رحمة، قال: فبكى المسلمون بكاء شديدا، ثم قال: ألا وإن وراء ذلك اليوم وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
«٢» أدخلنا الله وإياكم دار النعيم، وأجارنا وإياكم من العذاب الأليم.
وخطب الحجاج بن يوسف فقال في بعض خطبه: إن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن رضي الله عنه خطب بالبصرة فقال: أيها الناس كل كلام في غير ذكر فهو لغو، وكل صمت في غير فكر فهو سهو، والدنيا حلم والآخرة يقظة، والموت متوسط بينهما، ونحن في أضغاث أحلام.
قيل: اجتمع الناس عند معاوية وقام الخطباء لبيعة يزيد، وأظهر قوم الكراهة، فقام رجل من الخطباء من عذرة يقال له يزيد بن المقنع فاخترط من سيفه شبرا ثم قال: أمير المؤمنين هذا وأشار إلى معاوية، ثم قال: فإن يهلك، فهذا وأشار إلى يزيد، ثم قال: فمن أبى فهذا، وأشار إلى سيفه، فقال له معاوية: أنت سيد الخطباء.
[فصل في ذكر الشعر والشعراء وسرقاتهم]
قيل: ما استدعي شارد الشعر بمثل الماء الجاري والشرف العالي، والمكان الخضر الخالي.
وقيل: أمسك على النابغة الجعدي أربعين يوما فلم ينطق بالشعر، ثم أن بني جعدة غزوا، فظفروا، فاستخفه الطرب والفرح، فرام الشعر، فذلّ له ما استصعب عليه، فقال له قومه: والله لنحن بإطلاق لسان شاعرنا أسرّ منا بالظفر بعدونا.
وقال أبو نؤاس: ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة منهن الخنساء وليلى، فما ظنك بالرجال؟ وقال: الرجال الشعراء أمراء الكلام يتصرفون فيه كيف شاءوا، جائز لهم فيه ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده، ومن تسهيل اللفظ وتعقيده.
وقيل: وفد زياد بن عبد الله على معاوية فقال له: أقرأت القرآن؟ قال نعم. قال: أقرضت القريض؟ قال: نعم.