وقال يوما لجارية بن قدامة: ما كان أهونك على قومك إذ سمّوك جارية! فقال: ما كان أهونك على قومك إذ سموك معاوية وهي الأنثى من الكلاب! قال: اسكت لا أم لك. قال: لي أم ولدتني، أما والله إن القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا، والسيوف التي قاتلناك بها لفي أيدينا، وإنك لم تهلكنا قسوة، ولم تملكنا عنوة، ولكنك أعطيتنا عهدا وميثاقا، وأعطيناك سمعا وطاعة، فإن وفيت لنا وفينا لك، وإن نزعت إلى غير ذلك فإنّا تركنا وراءنا رجالا شدادا، وأسنة حدادا، فقال معاوية: لا أكثر الله في الناس مثلك يا جارية، فقال له: قل معروفا فإن شر الدعاء محيط بأهله.
وخطب معاوية يوما فقال: إن الله تعالى يقول: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ٢١
«١» فعلام تلوموني إذا قصرت في عطاياكم؟
فقال له الأحنف: وإنا والله لا نلومك على ما في خزائن الله ولكن على ما أنزله الله لنا من خزائنه فجعلته في خزائنك وحلت بيننا وبينه.
وقيل: دخل مجنون الطاق يوما إلى الحمام وكان بغير مئزر فرآه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وكان في الحمام فغمض عينيه فقال المجنون: متى أعماك الله؟ قال: حين هتك سترك.
ومن ذلك ما حكي أن الحجاج خرج يوما متنزها فلما فرغ من نزهته صرف عنه أصحابه، وانفرد بنفسه، فإذا هو بشيخ من بني عجل فقال له: من أين أيها الشيخ؟ قال: من هذه القرية، قال: كيف ترون عمالكم؟ قال: شرّ عمال، يظلمون الناس، ويستحلون أموالهم. قال: فكيف قولك في الحجاج؟ قال: ذاك ما ولي العراق شر منه، قبّحه الله، وقبّح من استعمله، قال: أتعرف من أنا؟ قال: لا، قال:
أنا الحجاج، قال: جعلت فداك أو تعرف من أنا؟ قال:
لا. قال: فلان بن فلان مجنون بني عجل أصرع في كل يوم مرتين، قال: فضحك الحجاج منه وأمر له بصلة.
وقال رجل لصاحب منزل: أصلح خشب هذا السقف فإنه يقرقع. قال: لا تخف فإنه يسبّح. قال: إني أخاف أن تدركه رقة فيسجد.
وقالت عجوز لزوجها: أما تستحي أن تزني ولك حلال طيب؟ قال: أما حلال فنعم، وأما طيّب فلا.
وقال مالك لوزيره: ما خير ما يرزقه العبد؟ قال: عقل يعيش به، قال: فإن عدمه، قال: أدب يتحلّى به، قال:
فإن عدمه؟ قال: مال يستره، قال: فإن عدمه؟ قال:
فصاعقة تحرقه وتريح منه العباد والبلاد.
وتنبأ رجل في زمن المنصور فقال له المنصور: أنت نبي سفلة؟ فقال: جعلت فداك كل نبي يبعث إلى شكله.
ومن الأجوبة المسكتة المستحسنة:
ما ذكر أن إبراهيم مغني الرشيد غنّى يوما بين يديه فقال له: أحسنت أحسن الله إليك، فقال له: يا أمير المؤمنين إنما يحسن الله إلي بك، فأمر له بمائة ألف درهم.
وقال رجل لبعض العلوية: أنت بستان، فقال العلوي:
وأنت النهر الذي يسقى منه البستان.
وذبحت عائشة رضي الله تعالى عنها شاة وتصدقت بها وأفضلت منها كتفا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «ما عندك منها؟
فقالت: ما بقي منها إلا كتف، فقال: كلها إلا كتفا» «٢» .
وقال عبد الله بن يحيى لأبي العيناء: كيف الحال؟ قال:
أنت الحال. فانظر كيف أنت لنا، فأمر له بمال جزيل وأحسن صلته.
وكان عمرو بن سعد بن سالم في حرس المأمون ليلة فخرج المأمون يتفقد الحرس، فقال لعمرو: من أنت؟
قال: عمرو عمرك الله بن سعد أسعدك الله بن سالم سلّمك الله. قال: أنت تكلأنا «٣» الليلة؟ قال: الله يكلأك يا أمير المؤمنين وهو خير حافظا وهو أرحم الراحمين فقال المأمون:
إن أخا الهيجاء من يسعى معك ... ومن يضرّ نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك ... شتت فيك شمله ليجمعك
ودفع إليه أربعة آلاف دينار. قال عمرو: وددت لو أن الأبيات طالت.
وقال المعتصم للفتح بن خاقان وهو صبي صغير:
أرأيت يا فتح أحسن من هذا الفص، لفص كان في يده؟
قال: نعم يا أمير المؤمنين: اليد التي هو فيها أحسن منه، فأعجبه جوابه وأمر له بصلة وكسوة.
وقيل إن رجلا سأل العباس رضي الله عنه: أأنت أكبر أم