وقال أعرابي: العاجز هو الشاب القليل الحيلة الملازم للأماني المستحيلة. ويقال: فلان يخدعه الشيطان عن الحزم، فيمثل له التواني في صورة التوكل، ويريه الهوينا بإحالته على القدر. وقال لقمان لابنه: يا بني إياك والكسل والضجر، فإنك إذا كسلت لم تؤد حقا وإذا ضجرت لم تصبر على حق.
وقال أبو العتاهية:
إذا وضع الراعي على الأرض صدره ... فحقّ على المعزى بأن تتبدّدا
فالتواني: هو الكسل وتضييع الحزم وعدم القيام على مصالح النفس وترك التسبب والاحتراف والإحالة على المقادير، وهذا من أقبح الأفعال.
[وأما التأني:]
فطنه خلاف التواني، وهو الرفق ورفض العجلة والنظر في العواقب. وقد قيل: من نظر في عواقب الأمور سلم من آفات الدهور. ومما جاء في ذلك قوله تعالى: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ
«١» .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من الدنيا والآخرة» . وقال عليه الصلاة والسلام لعائشة: «عليك بالرفق فإن الرفق لا يخالط شيئا إلا زانه ولا يفارق شيئا إلا شانه» . وفي التوراة: الرفق رأس الحكمة. وقالوا: العقل أصله التثبت وثمرته السلامة.
ووجد على سيف مكتوبا: التأني فيما لا يخاف فوته أفضل من العجلة في إدراك الأمل.
وقال بعض الحكماء: إذا شككت فاجزم وإذا استوضحت فاعزم. وقالوا: يد الرفق تجني ثمرة السلامة، ويد العجلة تغرس شجرة الندامة.
وأنشدوا في ذلك:
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل
وقالوا: التأنّي حصن السلامة والعجلة مفتاح الندامة.
وقالوا: إذا لم يدرك الظفر بالرفق والتأنّي، فبماذا يدرك؟
وقال المهلب: أناة في عواقبها درك خير من عجلة في عواقبها فوت. وقالوا: من تأنّي نال ما تمنّى. والرفق مفتاح النجاح. وقال بعض الحكماء إياك والعجلة فإنها تكنّى أم الندامة، لأن صاحبها يقول قبل أن يعلم ويجيب قبل أن يفهم، ويعزم قبل أن يفكر، ويحمد قبل أن يجرب ولن تصحب هذه الصفة أحدا إلا صحب الندامة وجانب السلامة.
[وأما الصناعات والحرف وما يتعلق بها:]
فقد روي عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عمل الأبرار من الرجال الخياطة، وعمل الأبرار من النساء الغزل» وكان صلى الله عليه وسلم يخيط ثوبه ويخصف نعله «٢» ويحلب شاته، ويعلف ناضحه «٣» .
وقال سعيد بن المسيب: كان لقمان الحكيم خياطا، وقيل: كان إدريس عليه السلام خياطا، ووقف علي بن أبي طالب كرم الله وجهه على خياط، فقال له: يا خياط ثكلتك الثواكل، صلّب الخيط ودقّق الدروز، وقارب الغروز، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يحشر الله الخياط الخائن وعليه قميص ورداء مما خاط وخان فيه، واحذر السقاطات، فإن صاحب الثوب أحق بها، ولا تتخذ بها الأيادي وتطلب المكافأة» .
وقال فيلسوف: إن من القبيح أن يتولى امتحان الصناع من ليس بصانع. وفي الحديث: «أكذب أمتي الصواغون الصباغون وكذب الدلّال مثل» . وقالوا: لكل أحد رأس مال ورأس مال الدلال الكذب «٤» .
وقال عبد الرحمن بن شبل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «التجار هم الفجّار، فقيل: أليس الله تعالى قد أحل البيع: قال: نعم. ولكن يحدثون فيكذبون، ويحلفون فيحنثون» .
وقال الفضيل: بخس الموازين سواد في الوجه يوم القيامة، وإنما أهلكت القرون الأولى لأنهم أكلوا الربا وعطلوا الحدود ونقصوا الكيل والميزان.
وقال مجاهد في قوله تعالى: وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ
» .
قيل هم الحاكة والأساكفة. وقيل: إن حائكا سأل إبراهيم الحربي: ما تقول فيمن صلى العيد ولم يشتر ناطفا «٦» ما الذي يجب عليه؟ فتبسم إبراهيم، ثم قال: يتصدق بدرهمين، فلما مضى قال: ما علينا أن نفرح المساكين من مال هذا الأحمق.