للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يديل بأنياب حداد كأنّها ... إذا قلّص الأشداق عنها خناجر

فائدة: إذا أقبلت على واد مسبع، فقل أعوذ بدانيال والجب من شر الأسد، وسبب ذلك على ما قيل: إن يختنصر رأى في نومه أن هلاكه يكون على يد مولود، فجعل يأمر بقتل الأطفال، فخافت أم دانيال عليه، فجاءت إلى بئر، فألقته فيه، فأرسل الله له أسدا يحرسه، وقيل: إن بختنصر توهم ذلك في دانيال، فضرى له أسدين وجعلهما في الجب وألقاه عليهما، فلم يؤذياه، وصار يبصبصان حوله، ويلحسانه، فأقام ما شاء الله تعالى أن يقيم، ثم اشتهى الطعام والشراب، فأوحى الله تعالى إلى أرمياء بالشأم أن إذهب إلى أخيك دانيال بجب كذا بمكان كذا.

قال أرمياء: فسرت إلى ذلك الموضع، فلما وقفت على رأس الجب ناديته، فعرفني فقال: من أرسلك إليّ؟ قلت:

أرسلني الله إليك بطعام وشراب، فقال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، والحمد لله الذي لا يخيب من قصده، والحمد لله الذي من وثق به لا يكله إلى غيره، والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا وبالصبر نجاة وغفرانا، والحمد لله الذي يكشف ضرنا بعد كربنا والحمد لله الذي هو ثقتنا حين تسوء ظنوننا بأعمالنا، والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع الحيل عنا. قال: ثم صعد به أرمياء من الجب، وأقام عنده مدة، ثم فارقه ورجع.

وحكي أن يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام مرّ بقبر دانيال عليه الصلاة والسلام، فسمع منه صوتا يقول:

سبحان من تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت. قال بعض الصالحين: من قال هذه الكلمات استغفر له كل شيء.

وحكي أن إبراهيم بن أدهم كان في سفره ومعه رفقة، فخرج عليهم الأسد، فقال لهم: قولوا أللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، فلا نهلك وأنت رجاؤنا يا ألله يا ألله يا ألله.

قال: فولى الأسد هاربا.

وقيل: لما حمل نوح عليه الصلاة والسلام في سفيننه من كل زوجين اثنين قال أصحابه: كيف نطمئن ومعنا الأسد؟ فسلّط الله عليه الحمى، وهي أول حمّى نزلت في الأرض، ثم شكوا إليه العذرة، فأمر الله تعالى الخنزير، فعطس فخرج منه الفأر، فلما كثر زاد ضرره، فشكوا ذلك لنوح عليه الصلاة والسلام، فأمر الله سبحانه وتعالى الأسد، فعطس، فخرج منه الهر، فحجب الفأر عنهم، ويحرم أكل السبع لنهيه عليه الصلاة والسلام عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير.

خواصه: فمن خواصه أن صوته يقتل التماسيح، وشحمه من طلى به يده لم يقربه سبع، ومرارة الذكر منه تحل المعقود، ولحمه ينفع من الفالج، وإذا وضعت قطعة من جلده في صندوق لم يقربه سوس ولا أرضة، وإذا وضع على جلد غيره من السباع تساقط شعره، وهو من الحيوان الذي يعيش ألف سنة على ما ذكر «١» ، وعلامة ذلك كثرة سقوط أسنانه.

[(الإبل)]

قيل: ما خلق الله شيئا من الدواب خيرا من الإبل. إن حملت أثقلت، وإن سارت أبعدت، وإن حلبت أروت، وإن نحرت أشبعت. وفي الحديث: «الإبل عز لأهلها والغنم بركة، والخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة» ، وهي من الحيوان العجيب، وإن كان عجبه قد سقط لكثرة مخالطته الناس، وقد أطاعها الله للآدمي وغيره حتى قيل: إن قطارا كان ببعض حبله دهن، فمرت فأرة، فجذبته، فسار معها القطار بواسطة جذبها له، وهي مراكب البر، ولذلك قرنها الله تعالى بالسفن فقال تعالى:

وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ٢٢

«٢»

. ولما كانت مراكب البر والبر فيه ما ماؤه قليل، وما ماؤه كثير جعل الله تعالى لها صبرا على العطش حتى قيل: إنه يرتع ظمؤها إلى عشر. وفي الحديث: «لا تسبوا الإبل فإنها من نفس الله تعالى أي مما يوسع به على الناس» . حكاه ابن سيده.

والذي يعرف: لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن.

قال أصحاب الكلام في طبائع الحيوان: ليس لشيء من الطحول مثل ما للجمل عند هيجانه، فإنه يسوء خلقه، فيظهر زبده، ويقل رغاؤه فلو حمّل عليه ثلاثة أضعاف عادته حمل، ويقل أكله، ويخرج له عند رغائه شقشقة لا تعرف من أي شيء هي من أجزائه، وهو من الأحرار حتى قيل: إنه لا ينزو لا على أمه ولا على أخته حتى قيل:

إن بعض العرب ستر ناقته بثوب ثم أرسل عليها ولدها، فلما عرف ذلك عمد إلى إحليله، فأكله، ثم حقد على صاحبه حتى قتله، وليس له مرارة، ولذلك كثر صبره.

وقيل: يوجد على كبده شيء رقيق يشبه المرارة ينفع الغشاوة في العين كحلا، وفي معدته قوة حتى أنها تهضم الشوك وتستطيبه، ويحل أكله بالنص والاجماع، وأما

<<  <   >  >>