رأى فرسي اصطبل عيسى فقال لي ... [قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلي]
به لم أذق طعم الشعير كأنني ... [بسقط اللوى بين الدخول فحومل]
تقعقع من برد الشتاء أضالعي ... [لما نسجتها من جنوب وشمأل «١» ]
وله أيضا:
ليهنك إنّ لي ولدا وعبدا ... سواء في المقال وفي المقام
فهذا سابق من غير سين ... وهذا عاقل من غير لام «٢»
وله في طبيب يدعى إسحاق:
مباضع إسحق الطبيب كأنّها ... لها بفناء العالمين كفيل
معوّدة أن لا تسلّ نصالها ... فتغمد حتى يستباح قتيل
وله في أحمق طويل اللسان:
لو أنّ قوّة وجهه في قلبه ... قنص الأسود وجندل الأبطالا
أو كان طول لسانه بيمينه ... أفنى الكنوز وأنفذ الأموالا
وهجا أعرابي رجلا ثم مدحه فقال:
إنيّ مدحتك من فساد قريحتي ... وعلمت أن المدح فيك يضيع
لكن رأيت المسك عند فساده ... يدني إلى بيت الخلا فيضوع
قيل لبعضهم: ما تقول في فلان وفلان؟ قال: هما الخمر والميسر إثمهما أكبر من نفعهما.
وقيل لرجل: كيف وجدت فلانا؟ قال: طويل اللسان في اللؤم قصير الباع في الكرم، وثابا على الشر منّاعا للخير.
وسمع أعرابي قوله تعالى: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً
وَنِفاقاً
«٣» . فانتفض، ثم سمع قوله تعالى: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
«٤» . فقال: الله أكبر هجانا ثم مدحنا، وكذلك قال الشاعر:
هجوت زهيرا ثم إني مدحته ... وما زالت الأشراف تهجى وتمدح
وقال أبو زيد العبدي:
ولقد قتلتك بالهجاء فلم تمت ... إنّ الكلاب طويلة الأعمار
وقال المتوكل لأبي العيناء: ما بقي أحد في المجلس إلّا هجاك، وذمك غيري فقال:
إذا رضيت عني كرام عشيرتي ... فلا زال غضبانا عليّ لئامها
[الباب الرابع والاربعون في الصدق والكذب]
وفيه فصلان
[الفصل الأول في الصدق]
قال الله تعالى مبشرا للصادقين: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ
«٥» وقال تعالى: وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ
«٦» فمدحهم وبين لهم المغفرة والأجر العظيم.
وقال عمر رضي الله عنه: عليك بالصدق وإن قتلك.
وما أحسن ما قيل في ذلك:
عليك بالصدق ولو أنّه ... أحرقك الصدق بنار الوعيد
وابغ رضا المولى فأغبى الورى ... من أسخط المولى وأرضى العبيد
وقال إسماعيل بن عبيد الله: لما حضرت أبي الوفاة جمع بنيه، فقال لهم: يا بني عليكم بتقوى الله وعليكم بالقرآن، فتعاهدوه، وعليكم بالصدق حتى لو قتل أحدكم قتيلا، ثم سئل عنه أقرّ به. والله ما كذبت كذبة قط مذ قرأت القرآن.