وقال صلى الله عليه وسلم: من أكل طعاما فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن لبس ثوبا فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه.
وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره. وفي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب، وقال صلى الله عليه وسلم الأكل في السوق دناءة.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما قال: فسألناه عن الأكل قائما فقال: هو شر من الشرب.
وأوصى رجل من خدم الملوك ابنه فقال إذا أكلت فضم شفتيك، ولا تلتفتن يمينا ولا شمالا ولا تلقمن بسكين ولا تجلس فوق من هو أشرف منك وأرفع منزلة، ولا تبصق في الأماكن النظيفة. ومن هذا ما رواه الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الطعام والشراب.
وقال علي رضي الله تعالى عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤكل الطعام حارّا. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه. وقال عمر بن هبيرة: عليكم بمباكرة الغداء فإن مباكرته تطيب النكهة وتعين على المروءة، قيل وما إعانته على المروءة؟ قال: أن لا تتوق نفسك إلى طعام غيرك.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أكل من سقط المائدة عاش في سعة وعوفي في ولده وولد ولده من الحمق، وعنه صلى الله عليه وسلم:
من سقط شيئا من الطعام فأكله حرم الله جلده على النار.
وكان الحارث بن كلدة يقول: إذا تغدى أحدكم فلينم على غدائه، وإذا تعشى فليخط أربعين خطوة. وقيل: خير الغداء بواكره وخير العشاء سوافره «١» .
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتبع الرجل بصره لقمة أخيه. وقال الحجاج لأعرابي يوما على سماطه: أرفق بنفسك، فقال:
وأنت يا حجاج اغضض من بصرك. وقال معاوية لرجل على مائدته: خذ الشعرة من لقمتك فقال: وإنك تراعيني مراعاة من يرى الشعرة في لقمتي، لا أكلت لك طعاما أبدا. ووضع معاوية بين يدي الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما دجاجة، ففكها، فقال معاوية: هل بينك وبين أمها عداوة؟ فقال الحسن: فهل بينك وبين أمها قرابة؟ أراد معاوية أن الحسن يوقر مجلسه كما توقر مجالس الملوك، والحسن أعلم منه بالآداب والرسوم المستحسنة رضي الله تعالى عنهما.
وأحضر أعرابيّ على مائدة بعض الخلفاء فقدم جدي مشوي فجعل الأعرابي يسرع في أكله منه، فقال له الخليفة أراك تأكله بحرد كأن أمه نطحتك، فقال: أراك تشفق عليه كأن أمه أرضعتك.
[وأما ما جاء في كثرة الأكل]
فقد روي عن حذيفة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:
من قل طعامه صح بطنه وصفا قلبه، ومن كثر طعامه سقم بطنه «٢» وقسا قلبه. وعنه صلى الله عليه وسلم: لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب فإن القلب كالزرع إذا كثر عليه الماء مات.
وقال صلى الله عليه وسلم: ما زين الله رجلا بزينة أفضل من عفاف بطنه. وقال عمرو بن عبيد: ما رأيت الحسن ضاحكا إلا مرة واحدة، قال رجل من جلسائه ما آذاني طعام قط، فقال له آخر: أنت لو كانت في معدتك الحجارة لطحنتها.
وقال علي كرم الله وجهه: «البطنة «٣» تذهب الفطنة» .
وقال ابن المقفع: كانت ملوك الأعاجم إذا رأت الرجل نهما شرها أخرجوه من طبقة الجدّ إلى باب الهزل، ومن باب التعظيم إلى باب الاحتقار. وتقول العرب أقلل طعاما تحمد مناما، وكانت العرب تعير بعضها بكثرة الأكل وأنشدوا:
لست بأكّال كأكل العبد ... ولا بنوام كنوم الفهد
وأنشد الأصمعي لرجل من بني فهد:
إذا لم أزر إلا لآكل أكلة ... فلا رفعت كفي إلي طعامي
فما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جوعة إن جعتها بغرام «٤»